يقول عادل: «لم يكن قدراً محتوماً أن يخضع الوطن للبتر حتى يتعافى… كانت خيارات التفاوض على وطن جديد بأسس جديدة متوافرة لكنهم اختاروا بالتراضي أن يذهبوا لدولتهم سعيدين بها»!!
يا عادل… بل كان قدراً محتوماً أن يخضع الوطن للبتر حتى يتعافى كما أن القدر المحتوم يسوق الناس إلى بتر الجزء المصاب بالسرطان حتى يتعافى بقية الجسد ولستُ أدري والله ما هي الخيارات الأخرى المتاحة للتفاوض بعد أن استفرغ الناس جهدهم وقدّم الشمال من التنازلات ما يدفع ثمنه اليوم من أرضه العزيزة في جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي؟! هل تريد مزيداً من التنازلات حتى نسلمهم الخرطوم التي هدَّد عقار بنقل الحرب إليها بل إلى القصر الجمهوري؟!
يا عادل تكتب وتنتحب كما لو كان السودان هو الدولة الوحيدة التي تجرِّب خيار الانفصال أو ربما تظن أن كل الدول التي اختار طرفاها تقرير المصير ومن ثم الانفصال ارتكبت خطيئة في حق نفسها أو أن كل حالات الطلاق بين الزوجين التي شهدتها البشرية أخطاء فادحة تستحق النحيب والعويل ولطم الخدود وشقّ الجيوب بل والموت كمداً!! يا بخت زوجتك الآمنة المطمئنة إلى مستقبلها فأمثالك يا عادل يمشون في خط مستقيم ويُؤمرون فيُطيعون ويغسلون العدة كمان!!
عادل قال متسائلاً: «هل كان مطلوباً مني أن أفرح لكني بكيت.. هل كان مطلوباً حين يلوِّح الجنوبيون بأيديهم مودِّعين (أن) نردّ عليهم في ستين داهية… بأي حس إنساني نودِّع الناس باللعنات والرقص والغناء؟!
ليس مطلوباً منك ياعادل يا حنيِّن أن تفعل ذلك كله لكن كل المطلوب أن تقول الحقيقة بدلاً من أن تقول في مانشيت أحمر: «الخرطوم تغرق في بحر من الدموع» لأن الخرطوم لم تغرق ولا حاجة!! من يقرأ صحيفتك بعد 05 عاماً قد يصدِّقك وأنت تزوِّر الحقيقة فغرقُك أنت في بحر من الدموع لا يعني أن الخرطوم غرقت ولو كان المانشيت بعنوان: «عادل الباز يغرق في بحر من الدموع» لما علّقت على حديثك أو استغربت لأني أعرف عادل الباز الحنيِّن الذي يمكن أن يغرق في شبر موية!!
دع عبارة «في ستين داهية» أو «بلاء وانجلى» لآخرين يعرفون مبدأ المعاملة بالمثل المجازة قرآناً وديناً.
دع هؤلاء يردُّون على من احتفلوا في جوبا بعبارات «باي باي خرطوم» ومن رقصوا حتى الصباح على أنغام الموسيقا الصاخبة والبيرة التي أغرقت جوبا وهم يصرخون: «باي باي مندكورو».. «باي باي للعبودية».. «باي باي للاستعمار».. ودعهم يردُّون على باقان وهو يقول: «ارتحنا من وسخ الخرطوم» وعلى أتيم قرنق وهو يقول: «لن نقول يا حليل الشمال» وغير ذلك من الهتر من لدن بوث ديو وهو يقول في عام 8491: «لو كنتُ شمالياً لانتحرتُ»!! فليس مطلوباً منك يا عادل أن تخرج عن جلدك فأنت رجل حنيِّن يُجيد إدارة الخدّ الأيمن لمن يلطمُهُ في الأيسر بالرغم من أنك تُصرُّ كما ذكرتَ في مقالك على الانتساب للجعليين!!
بعدين يا عادل شنو قصة «الراقصون على مذابح الأوطان» التي جعلتها عنواناً لمقاليك؟! هل الأوطان أرض وجغرافيا أم أنها شعوب وهل تحزن على ذبح الأرض أم على ذبح الشعب المذبوح بالوحدة؟!
عجيبٌ أن يستشهد عادل بآية قرآنية تقيم الحجة عليه: «لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» لكن عادلاً استشهد بالآية على طريقة: «لاَ تَقْرَبُواْ الصلاَةَ» أو «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ» ولو قرأ الآية التالية لأقامت عليه الحجة: «إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»..
الآية الأولى تتحدث عن المسالمين من غير المسلمين أما الثانية التي أغفلها عادل فتتحدث عن الكفار غير المسالمين الذين قاتلونا في الدين وتنهانا عن موالاتهم.. فبربِّك يا عادل ألم تقاتلنا الحركة الشعبية من قديم ولا تزال في جنوب كردفان ألم تطرح مشروع السودان الجديد العلماني الذي تعبِّر عنه أحياناً بعبارة «الوحدة على أسس جديدة».. ألم ترفض الحركة الشعبية حتى إيراد البسملة في صدر الدستور الانتقالي؟! ألا يقوم مشروعها على استئصال الإسلام؟! ألا تشنُّ الحركة حتى اليوم الحرب على الإسلام والمسلمين في جنوب السودان؟! من قتل الداعية الكبير فؤاد ريتشارد قبل أيام؟!
عبارات عاطفية تُشبه صديقي الحنيِّن عادل كتبها وقلبُهُ يكاد ينفطر حزناً فقد قال: «الحزن هو الحالة الوحيدة التي يستحيل نزع النُّبل عنها»!!
أما نحن فنرى أن الحزن يكون نبيلاً عندما يكون المحزون نبيلاً أو عندما يكون منشأ الحزن نبيلاً أما الحزن على اندلاق زجاجة خمر أو إبطال باطل فلا يكون حزناً نبيلاً يا عادل الباز!!
وقال عادل: «حين تغادر أوطاننا الجغرافيا لا يغادر وجداننا الوطن»!! كلام يشبه عادل البكّاي وشعر يشبه عادل الأديب!!
يا أخي والله العظيم إن المقدَّس الوحيد عند المسلم هو الإسلام وأنت «الإسلامي» تعلم كيف هاجر معظم الرسل تقريباً من أوطانهم وكيف هاجر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابُه من مكة حيث بيت الله الحرام وقبلة المسلمين وكيف هاجر إبراهيم الخليل من موطنه في العراق ولم يعد إليها وكيف هاجر موسى من مصر حيث وُلد.. أما الجنوب فقد حشره الإنجليز في السودان دون رضاء أهله ودون رضاء أبناء الشمال ودفع السودان ثمن ذلك كثيراً مما لا يحتاج إلى بيان وكفاية أن أهله غادرونا برغبة عارمة منهم ولو لم يغادرونا لواصلنا معركتنا السياسية لكي يغادرونا أو نغادرهم فقد أحلّ الله الطلاق خاصة عندما يكون الزوجان قطاً وفأراً لم تشهد علاقتهما الزوجية غير الشقاء والموت الزؤام!!
بعدين هل الجنوب وطنك يا عادل وهل الشمال موطن قرنق وباقان؟! لماذا إذن قاتلوا وطنهم الشمال؟! يا راجل اختشي!!
عادل «بهتَنا» حين قال إننا ندقُّ طبول الحرب، لا يا رجل نحن لسنا دعاة حرب لكننا لسنا دعاة استسلام فأنت ترفض الحرب مبدأً حتى لو احتلت الحركة الشعبية الخرطوم، أما نحن فإن الجهاد جزء أصيل من عقيدتنا بل هو ذروة سنام الإسلام، ونحن الآن في موقف الدفاع، ذلك أن الحركة تحكم الجنوب الآن وتتحرش بالشمال، ولكنك رغم ذلك تردِّد آية: «لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ» وكأنك تعيش في كوكب آخر أو بلد آخر غير سودان باقان وعرمان وعقار والحلو!!
يا عادل… لو كان الأمر أمر عواطف فأنا الأحق منك بالحزن على ذهاب الجنوب الذي أصبح بلداً آخر لا سبيل إلى دخوله، يضم رفات أحباب نأمل أن نلتقي بهم في دار الخلود لكن الأمر أكبر من ذلك… إنه أمر مبادئ يُضحَّى في سبيلها بكل شيء.[/JUSTIFY]
الانتباهة – الطيب مصطفى