– تراجع السودان في اجندة الرأي العام الامريكية لعدة اسباب فاية قضية بطبيعتها تتصاعد تدريجياً الا ان قضية دارفور شهدت تصاعداً سريعاً وغير تقليدي لأن التحالف لم يتكون تدريجياً مع القضية بل كان معداً سلفاً وكذلك اجندته كانت جاهزة وكل ما فعله انه شطب بعض الكلمات وادخل اخرى بدل جوبا يمكن ان توضع الضعين وهكذا وهذا هو السبب الاساسي في تصعيد قضية دارفور بالشكل الذي نراه الان لأن التحالف الذي يتبناها كان اصلا قائماً, عكسه التحالف الذي تبنى قضية الحركة الشعبية في الجنوب استغرق عدة سنوات ليكتمل عبر اوروبا وامريكا وكان يفترض ان يجني هذا التصعيد ثماره في تلك اللحظة وهذا ما لم يحدث وفشلت المجموعة المتبنية لهذه في جني ثمار جهدها السياسي والاعلامي والتصعيدي من تغيير التركيبة الحاكمة بل كان العكس اذ تم تطبيع معتبر في الساحة السودانية وتجميع للقوى السياسية والسير بخطوات ربما تكون بطيئة لكنها واثقة نحو الانتقال من المرحلة الانتقالية فعلياً عبر الانتخابات وهذا التطور ازعج هذه المجموعة وفي تصوري ان هذا هو التغيير القاطع لأن هذه المجموعة حاولت ان تدرك مبلغاً فاي ثمار ان لم يتم قطفها في موعدها ستقط. وهذه المجموعة حاولت ان تحصد نتائج جهدها عبر وسائل واحدة منها (عملية خليل) التي كانت تسابق الزمن باحساس واضح جداً وقراءة صحيحة تماماً بان يتم تبديل سريع جداً في المسرح السوداني ينبغي ان تحصد فيه مجهودات التعبئة التي تمت على المستوى العالمي والاقليمي في هذه اللحظة وكانت سبباً اساسياً في انشائها. الا ان ما استطاعت تحقيقه هو عملية المحكمة الجنائية فرأت انها طالما فشلت في جني الثمار بسرعة ان لا تهدد جهدها ليظل معلقاً عبر بوابة المحكمة الجنائية لأن المحكمة الجنائية ميزتها تستطيع ان تبقى على هذه القضية حية لفترة اطول دون ان تموت 100% لكن المجموعة فشلت في الا انها فشلت في انجاز اهدافها في قمة التعبئة ولذا بدأت في الحساب في قضية دارفور.
اضف الى ذلك عامل اخر وهو ان العالم ليس فراغاً تلعب فيه دارفور والولايات المتحدة الامريكية فهناك مجالات اخرى في العالم قد تتوطد فيها قضايا جديدة تطفي على الساحة الاعلامية في امريكيا واوروبا فالاخيرة اصبحت غارقة في شبر موية في جورجيا وكذلك امريكا صارت غارقة في قضية التطور النووي مع ايران ولملمة ملف سوريا والتزامات تجاه الشرق الاوسط وهكذا ولهذه الاسباب فان القمة التي بلغتها قضية دارفور من التعبئة في المسرح الامريكي لم تبلغها مرة اخرى وهي الان في انحسار وهذا هو المناخ الذي ينقل القضية تدريجياً من ملف الرأي العام والمنظمات واللوبيات الى ملف الادارة. صحيح ان الادارة يمكن ان تتلاقى مع هذه المجموعة لكنها باستمرار واقعية براغماتية ترجح مصالح امريكا.
* تحدثت عن تيارين برغماتي وضغط (المحافظين) الذين يعتقدون انهم نجحوا في تصعيد القضية بتوجيه التهم للبشير بتأزيم الموقف في دارفور ولاول مرة رئيس جمهورية يتهم ويمكن ان يتم ايقافه والتعامل معه كمجرم الا تعقد ان كل ذلك يمكن ان يكون أداة للتصعيد ربما بعد شهرين او ايام؟
– دعوني اصحح فالذين ملكوا لمحكمة الجنائية ملف السودان ليس هم الجمهوريون فهذه نجاحات مجموعة الايدلوجيين فهي مجموعات الضغط واللوبيات ومنظمات المجتمع المدني صحيح تم ذلك تمت نظر وسمع الادارة الامريكية ومباركة وسمع ادارات اوروبية باجندة اخرى المقصود منها ترسيخ اجندة المحكمة الجنائية وكما قلت فان المحكمة الجنائية هي الوسيلة الافعل اختراقا للسيادة والامن القومي في اية دولة واللعب بمكوناتها الداخلية لذلك تحظي بدعم اوروبي ولم تحاكم اي اوروبي قطعاً وهذا يعد انجازاً من مجموعة الضغط يمكن ان تستثمره الادارة الامريكية لكن ليس من الدقة ان ينسب ذلك للادارة الامريكية وهذا انجاز مجموعة الضغط التحالف الذي يعمل امريكا واوروبا والذي استطاع ان ينقل بمباركة هذه القوى قضية السودان للمحكمة الجنائية.
* هل تتوقعون تحسناً في العلاقات السودانية الامريكية بعد اعلان نتائج انتخابات الرئاسة الامريكية والسودانية حسب المعطيات التي ستخرج بها النتيجتان؟
– ساتحدث عن علاقة الانتخابات السودانية بتطور العلاقات الخارجية دون القدح في وطنية اية مجموعة سودانية لكن من طبيعة المكنزمات (الآلية الجديدة) التي تدير العلاقات بعد اختراق جدار السيادة والامن القومي في اية دولة فهذه المجموعة من اهم ادواتها انها تراهن على مكونات داخلية وهذا الرهان في تقديري حتى الان يقوم على الحركة الشعبية رضيت ام ابت لانه ليس بالضرورة ان يتم بالتنسيق معها اذ ان الادوات لا تتم بموافقتها فالحركة الشعبية يراهن على دورها في اتخاذ هذه الاجندة وما زال الرهان قائماً وان اردت ان امضي ابعد من ذلك فهناك تيار معتبر داخل الحركة الشعبية يلتقي مع هذا الرهان فهي تشكل راس السهم والاداة الاولى لانفاذ سياسات ورؤى تيارات سياسية وفكرية دولية وفي تقديري ان هذا الرهان بدأ جداره يتشقق واي مراقب اطلع على المقال المفصل الذي كتبه ناتيوس وحكى ان الرهانات كانت تتم على منحى واكد على الرهان على الحركة الشعبية لانها هي الحصان الوحيد الذي يمكن الرهان عليه بكبح جماع المؤتمر الوطني وتياره الحاكم في الخرطوم ومضى في ذلك بتفصيل الدعم الذي يستحقه هذا الحصان من تسليح وطيران وخلاف ذلك وكما اوضحت هناك تيار داخل الحركة الشعبية يبارك هذا الرهان ويتم بعلمه والتنسيق معه ويراد ان تضاف اليه مكونات الحركة الشعبية فهي يمكن ان تكون فاعلة بنسبة 100% عبر الاستفادة من البعد الخارجي والدعم الدولي عندما تكون حركة عسكرية لكن عندما تتحول لحركة سياسية هذا الدعم سيصبح محدود الاثر وفي النهاية عندما تأتي الانتخابات لن يصوت الامريكان وانما يصوت الشعب السوداني.. صحيح يمكن ان تبذل جهود للتأثير عليه لكن تظل غير فاعلة ايضا خاصة في السودان وقد ثبت على المستوى العالم ان اية قوى سياسية خاصة وسط الشعوب التي تطمح في التحرر واية قوة تراهن على ارتباطها بالاجنبي عبر علاقاتها الدولية وما تتلقاه من دعم سياسي ومالي وما يليه فان هذه القوة ستخسر واكبر دليل على ذلك تجربة العراق ولبنان وافغانستان حتى اصبحت كلمة كرزاي تعني تنصيب العملاء على اوطانهم فالرهان في الانتخابات على الاجنبي اثره ضعيف واحياناً سلبي.
وفي تقديري ان الحركة الشعبية اضاعت عدة فرص وكان يمكن عبرها ان تنسف وجودها في الخارطة كقوة سياسية قومية تعني بقضايا السودان القومية لكنها اهدرت هذه الفرصة وسمحت لنفسها ان تصنف كقوى سياسية جنوبية وهذا التصنيف قطعاً سيجعل منها حركة سياسية صغيرة جداً ويضعفها اذا احدثت الانتخابات القومية تغييراً في التركيبة الحاكمة فمعلوم ان عدد سكان الجنوب يشكل 13% الى 16% من مجموع سكان السودان وتجاوزاً اعطى 20% وان كانت الحركة الشعبية تراهن فقط على الصوت الجنوبي فمهوم سلفاً انها لا تحظى باجماع الصوت الجنوبي ففي الجنوب هناك عدة قوى ذات خلفيات سياسية واثنية وجهوية ليست مع الحركة الشعبية في مركب واحد والانتخابات ستظهر ذلك لذا فالحركة في مجال التنافس السياسي والانتخابي تحتاج لمناصرة اخرى والذين يراهنون عليها تقع عليهم مسئولية البحث عن حلفاء جدد للحركة الشعبية حتى تصبح قوة يمكن ان يراهن عليها ولا ارى فرصة ذات قيمة لذلك.
* كيف تقيم جهود الحركة الشعبية في احداث اختراق في العلاقات من خلال الزيارات التي قامت بها قيادات الحركة بدءاً من سلفاكير ثم باقان ودينق الور وحصولها على استثناء الجنوب من العقوبات التي فرضتها الادارة الامريكية على السودان وهل تتوقعون احداث تطبيع في العلاقات السودانية الامريكية من قبل الحركة؟
– سبق وان قلت ان الحركة اضاعت عدة فرص لأن تصبح قوة سياسية قومية واعتقد ان حصولها على استثناء الجنوب من العقوبات وتوقيعها في الشمال احدى هذه الفرص وذلك لا يؤهلها ان تكون قوة سياسية قومية وكذلك الدور السالب للحركة في تطبيع العلاقات السودانية الامريكية بعد ان فوض رئيس الجمهورية السيد دينق الور وزير الخارجية حيث انسحبت الحركة الشعبية من المفاوضات مع وليامسون احتجاجاً هذا يعني انه على اقل تقدير هي محايدة ان لم تكن تلعب دوراً سالباً في تطبيع العلاقات وفرصة ثالثة اضاعتها الحركة انها قد اخفقت في استثمار التفويض الذي منح لها لتجميع الفصائل المتمردة في دارفور وبدلاً عن ذلك اعتقلتها في جوبا ولم تسمح لها في الحوار في سرت وكل هذه الفرص منحها رئيس الجمهورية وحكومة المؤتمر الوطني لكي تبرز كلاعب قومي لكنها فشلت في ذلك وبالتالي يصبح من غير العقلانية ان يعول عليها ان تحدث تغييراً سياسياً داخل البلد.
* يرى المراقبون ان المؤتمر الوطني اعطى التدخل الامريكي بشكل اخر فرصة للتمدد بسبب تعنته في انفاذ بنود اتفاقية السلام التي تمهد للتحول الديمقراطية والوحدة الجاذبة مما جعل الحركة تستنصر بجهات ضغط من الدول الضامنة لاتفاقية السلام؟
* اصلا الحركة الشعبية لابد ان تبحث لها عن نصير اخر لانها وحدها غير قادرة على انجاز هذا الرهان واعتقد ان الادعاءات بان المؤتمر الوطني غير ملتزم بتنفيذ الاتفاقية يقع في هذا الاطار ولا قيمة لذلك فهناك مفوضيات متخصصة في تقييم نسب تنفيذ الاتفاقية وهي معلومة لدى كل القوى الشريكة والضامنة ان نسبة التنفيذ تسير بصورة جيدة فالحكومة في الشمال التزامها من حيث التنفيذ اكبر بكثير من الحركة الشعبية وهذا معروف وموقع عليه في محاضر ومراقبين من الامم المتحدة ومشهود سواء كان في احداث ابيي او اعادة انتشار الجيش او تنفيذ الاجراءات الامنية فالحركة اخفقت في ذلك وهناك مئات الخروقات من جانبها احصيت بواسطة مفوضية التقييم ولدى الحكومة والحركة نسخة منها فالذي يحدث من الحركة هو مجرد تهريج سياسي.
* هناك من يرى ان الحكومة قدمت تنازلات بعد احداث 11 سبتمبر لتحسين العلاقات في مجال التعاون في مكافحة الارهاب عبارة عن ملفات تساوي 12 بوصة تحوي معلومات عن الاسلاميين والمتطرفين ولم تجد لذلك مقابلاً؟
– هذا مجرد هراء ومن قبيل الحديث السمج والان المعلومات لا تقدم في ملف حتى تقاس بالبوصات او الكيلومترات فالسودان لم يقدم اي تنازلات وما كان يحتاج ليفعل ذلك بل كان محتاجاً لتبرئة ساحته من اتهامات موضوعية موجهة ضده بايواء الارهابيين والتي كان يسندها منطق, فمثلا بن لادن كان يقيم سنين طويلة في السودان وهو من الجماعات الاسلامية التي صنفتها امريكا بانها ارهابية اضافة لمجموعة اخرى تدخل في ذات التصنيف كانت موجودة ايضا في السودان اذا كانت في ذلك الوقت علاقات تمتد بكثافة بين السودان وهذه المجموعات ولم يكن ذلك في نظر السودان ايواءً للارهاب لكن في نظر امريكا كان غير ذلك وحقيقة الحوار في هذا الملف كان ينصب على هذا الجانب وامتد لسنوات وحرص الامريكان فيه ان يثبتوا اتهاماً واحداً ضد السودان لكنهم فشلوا في ذلك فهذه كانت صورة الحوار الذي دار.
حوار: خالد عبد العزيز – حنان بدوي – السوداني[/ALIGN]