٭ هل ترى أن حلول التاسع من يوليو سيكون نهاية للصراعات في السودان، ام بداية لصراعات جديدة؟ ــ ما يحدث الآن حتى قبل اعلان انفصال الجنوب بشكل رسمي، يوضح أن نذر الحرب بدأت بسيطرة القوات المسلحة على منطقة أبيي وتفجر الصراع الدموي بين الجيش الشعبي والقوات المسلحة في جنوب كردفان. واعتقد انها حرب حقيقية، واعتبرها نذرا لحرب قادمة بصورة اوسع، لكنها بدأت بين الشمال والجنوب، وستتوسع هذه الحرب بعد قيام دولة الجنوب، بحيث تصبح بين دولة ودولة، والذي يساعد على توسيع الحرب عدة مؤشرات، أولها أن القضايا العالقة بين الجنوب والشمال لم تحل حتى الآن، وهي مشكلة أبيي ومشكلة الحدود والبترول والجنوبيون في الشمال والشماليون في الجنوب، ولا اعتقد انها يمكن ان تحل خلال الفترة المتبقية، بالتالي ستظل وقوداً لحرب قادمة تبدأ بتبادل الاتهامات، لكنها في النهاية ستتحول الى حرب حقيقية، وهناك ايضا استمرار ازمة دارفور رغم الجهود التي بذلت في منبر الدوحة، لكنه في النهاية لم يخرج بشيء عملي، بل خرج بوثيقة، والوثائق التي كتبت عن دارفور كثيرة جدا، وهذا ايضا مصدر من مصادر توسيع الحرب في المستقبل، وأيضا تأزم الوضع في جنوب كردفان والنيل الازرق بحكم علاقة المنطقتين مع الحركة الشعبية، وبالتالي مع دولة الجنوب باعتبار ان لديهما قضايا لم تحسم خاصة قضية المشورة الشعبية التي تبدو قضية بسيطة تهدف لاخذ رأي اهل جنوب كردفان والنيل الأزرق حول مدى استجابة اتفاقية نيفاشا لمطالبهم، لكن المعلن الآن أن هناك مطالب اكثر في الولايتين، فهناك مطالب بالحكم الذاتي وتقرير المصير. وما جرى في الفترة الاخيرة في جنوب كردفان خطورته تكمن في هذه النقطة، بحيث أنه يمكن ان يمتد في الفترة اللاحقة ويصبح مصدر نزاع داخل الولاية، خاصة أن النزاع في الفترة الاخيرة تحول الى نزاع قبلي واثني، أو بين عرب وغير عرب، وهذا شيء مؤسف، واعتقد انه سيستمر، وبالتالي يكون السودان بعد نيفاشا قد فقد السلام والوحدة معاً. ٭ ما هي رؤيتكم للواقع الاقتصادي خاصة بعد التاسع من يوليو؟ ــ لا بد من عقد مؤتمر اقتصادي وطني شبيه بمؤتمر عام 1986م الذي عقد عقب الانتفاضة لمناقشة الوضع الاقتصادي وكيفية معالجته، تشارك فيه كل الأحزاب السياسية والنقابات واصحاب العمل والخبراء، وان تكون معالجة الوضع الاقتصادي في إطار بداية جديدة تشمل الوضع السياسي برمته بعد التاسع من يوليو. وأتوقع أن يتفاقم الوضع الاقتصادي بعد انفصال الجنوب وخروج البترول من ميزانية الدولة، خاصة أن المواطنين الآن يعيشون ازمة حقيقية في شكل تزايد متواصل في اسعار السلع الضرورية ومعدلات التضخم وعجز الدولة عن القيام بمسؤولياتها العادية، ولا أرى ان تترك معالجة الازمة للادارات الاقتصادية التي تسببت فيها، والأزمة الاقتصادية في السودان بدأت عام 2008م تحت تأثير الازمة المالية الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار البترول، وتفاقمت في بداية عام 2011م، مما دفع وزير المالية إلى إجراء تعديلات واسعة في ميزانية عام 2011م بعد اجازتها من البرلمان بعد أقل من شهر. ٭ مرَّ حزب البعث بأزمات كثيرة بعضها داخلية لعبت فيه سياسة الحكومة السودانية دورا كبيرا، وبعضها تنظيمي مؤسسي يتعلق بالاختلافات والخلافات حول اسلوب ادارة الحزب، وترتيب مواقفه ورؤيته لمختلف القضايا، كما ان هناك انشقاقات أدت الى تعدد أحزاب البعث في السودان.. ماذا تقول حول ذلك؟ ــ حزب البعث تعرض لانقسامات في العشرين سنة الأخيرة، خاصة في فترة التسعينيات، فقد انقسم الى اربعة تيارات، والأسباب التي ادت الى الانقسامات سياسية وتنظيمية، وهي خلافات حقيقية حول الخط السياسي، فحدث خلاف في فترة التسعينيات حول عمل الحزب مع التجمع أو مع حكومة الإنقاذ أو العمل منفرداً، وكانت هناك خلافات تنظيمية حول قضايا كثيرة جدا، خاصة طريقة العمل وأسلوبه وقيادات العمل الحزبي، وكان الامل أن تحل هذه الخلافات بطريقة ديمقراطية ومؤسسية عبر الحوار الداخلي للوصول الى حل، وهذا لم يحدث لأن هناك جهات معينة داخل القيادة الحزبية رفضت النهج الديمقراطي ونهج المؤسسة الحزبية. وفي الفترة الاخيرة ظهرت اصوات كثيرة جدا تدعو الى وحدة التيارات البعثية، خاصة بعد أن اتضح ان الانقسام يضعف حزب البعث، والأسباب التي ادت الى الانقسام لم تعد مهمة، وقد تجاوزها الزمن وبالتالي يمكن الجلوس للحوار، وبالحوار والنقاش يمكن التوصل الى ما يجمع الاطراف الحزبية، بينما هناك تيار آخر يرفض الحوار والوحدة، وهؤلاء عقبة اساسية، ونحن من جانبنا نؤيد أية جهود تبذل لتوحيد صفوف البعثيين وإعادة الوحدة لحزبهم، وهذا الأمر يجب أن يتم على اساس حوار ونقاش جدي للأسباب التي ادت للانقسام، وأن يشمل الأسس التي يمكن أن تعيد توحيد حزب البعث واعادة تأسيسه على اسس جديدة، والآن معظم القيادات والكادر النشط بدأ يشعر بسلبيات الانقسام وعدم جدواه، وضرورة التوحد من جديد. ٭ حزب البعث كان له القدح المعلى في الثمانينيات في اسقاط نظام نميري.. أين هو الآن من النضال؟ ــ في السبعينيات والثمانينيات كان الحزب نشطا وواسع الانتشار وسط الشباب والقوى الحية، وقام بدور فعَّال ضد النظام المايوي وفي انتفاضة مارس ــ ابريل 1985م، وكانت هذه الفترة تمثل عصره الذهبي في السودان، اما الآن في عهد الانقاذ فقد تضافرت عدة عوامل ادت الى اضعاف تنظيمه الحزبي واضعاف دوره السياسي، وهذه العوامل هي التي ادت الى انقسامه في عام 1997م، ولكن مع كل ذلك ظل حزب البعث معارضا لنظام الإنقاذ، ويعمل في اطار التجمع الوطني الديمقراطي، ويعمل مع قوى الاجماع الوطني وكل اشكال العمل المشترك بين القوى السياسية الاخرى. ٭ أنتم متهمون من قبل الأحزاب السياسية الاخرى بأنكم هادنتم نظام الانقاذ ودافعتم عنه في عدة قضايا؟ ــ نحن لم نكن موالين لنظام الانقاذ، وليست لنا اية علاقة مع المؤتمر الوطني، سواء أكانت سياسية او غير ذلك، ولم نتحاور معه إلا في حالات محددة جداً وحول قضايا بعينها، ولكن لم نصل الى اي اتفاق مكتوب او وجهة نظر موحدة، وقد جمعت الحكومة كل الاحزاب السياسية لمؤتمر كنانة ومبادرة الرئيس التي أطلق عليها «مبادرة اهل السودان لدارفور»، وباستمرار كان موقفنا مع المعارضة في التجمع الوطني ومؤتمر جوبا وقوى الاجماع الوطني. ٭ كيف تؤثر الثورة الآن في سوريا على الحزب؟ ــ تأثيرها كبير، ولها جوانب سلبية، لأنه لأول مرة ينتفض الشعب السوري بشكل واسع ضد النظام الحاكم، ويطالب بإسقاطه وقيام دولة ديمقراطية، وكان الأمل أن تستجيب القيادة السورية لمطالب الانتفاضة في التغيير والتحول الديمقراطي، خاصة أن الرئيس بشار الاسد ابدى رغبة واستعدادا لاجراء التغيرات المطلوبة، ولكن ذلك لم يحدث بسبب اعتماد النظام الحاكم على مواجهة الانتفاضة بالعمل الأمني والعسكري، وعدم الرغبة في إجراء التغييرات المطلوبة، وهذا الوضع سيعطي انطباعاً بأن الحزب يقف ضد الجماهير وضد مطالب الحرية والديمقراطية. وهذا سيؤثر سلباً على مواقف كل تنظيمات حزب البعث في البلدان الأخرى، ويبدو لي أن عدم استجابة النخبة الحاكمة في سوريا لمطالب الانتفاضة يرجع الى سيطرة الأجهزة الأمنية والعسكرية والبيروقراطية على الوضع، بسبب خوفها من أن يؤدي أي تغيير سياسي إلى فقدانها لنفوذها وسيطرتها. ٭ حزب البعث لا يجد انتشاراً واسعاً خاصة وسط الشباب.. بماذا تبرر ذلك؟ ــ اعتقد أن حزب البعث نشأ نتيجة لعوامل سودانية وعربية، واستجابة لمطالب موضوعية في قلب الواقع السوداني، ونتيجة لذلك نما وتطور خلال فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وكان نموه معقولاً وسط كافة قطاعات القوى الحديثة، وأصبح له وجود في معظم مديريات السودان باستثناء الجنوب، وفي العشرين سنة الأخيرة ظل يعاني مثل غيره من الاحزاب السودانية من مشكلات عدم القدرة على النمو والتوسع والفعالية السياسية، وهذه العوامل تشمل ظروف القمع السياسي التي مارستها سلطة الإنقاذ، وعوامل الحرب الأهلية وترييف المدن واتساع النزاعات القبلية والجهوية، وهذه الاسباب تخص كل الأحزاب.
٭ أنت الآن بصدد إصدار كتاب حول تاريخ حزب البعث.. نريد أن تعطينا لمحة حوله؟ ــ الكتاب عنوانه «صفحات من تاريخ حركة التيار القومي لحزب البعث في السودان»، وصدر عن دار عزة للنشر بالخرطوم، وسيصل الى الخرطوم خلال ايام، وهو اول محاولة لكتابة تاريخ حزب البعث في السودان التيار القومي بشكل عام، واعتبره ضرورة لأسباب كثيرة، أولها تعريف البعثيين السودانيين بتاريخ الحزب وبسلبيات وايجابيات تجربته ونجاحاته وإخفاقاته، وفي نفس الوقت أعتقد انه اشارة الى ضرورة كتابة تاريخ الاحزاب السودانية لنفس الهدف، ليتعرف الناس على كيفية نشأتها، وكيف تطورت، والعوامل التي ساعدت على نموها وتطورها، والاسباب التي وقفت عقبة في طريقها، وبالتالي استخلاص الدروس من التجربة الحزبية السودانية للاستفادة منها مستقبلا، خاصة أن هناك كثيراً من الانتقادات تتعلق بضعف الأحزاب وأنها لا تستطيع القيام بدورها، وهو في رأيي كلام صحيح، ولكن لمعرفة أسباب الضعف لا بد أن نعرف تاريخ هذه الاحزاب، واعتقد ان صدور هذا الكتاب يمكن ان يكون فاتحةً لكتابة تاريخ كل الأحزاب السودانية، سواء من قياداتها او اعضائها، او من جهات أخرى اكاديمية وجهات مهتمة.
والكتاب يدور محوره حول تاريخ الحزب منذ نشأته في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، وتطوره بالذات في فترة حكم الرئيس نميري، ومن خلال سرد التاريخ تطرقت لمواقف الأحزاب الأخرى والسياسات في البلاد، والمشكلات المطروحة في فترة ما بعد الاستقلال سواء أكانت متعلقة بالديمقراطية او مشكلة الجنوب والنظم العسكرية المسيطرة وغيرها، ومن أكثر الأشياء التي ركزت عليها تطور مفاهيم حزب البعث حول القضايا السودانية الأساسية، والى أي مدى تفهم الحزب هذه القضايا، ومدى ارتباطه بالواقع السوداني وقضاياه، وهل كان مرتبطاً بقضايا خارجية.
[/JUSTIFY]
صحيفة الصحافة