تعالوا ننظر كيف يتعامل الواحد منا مع بقية البشر: الفراش الذي يأتيك بالشاي في المكتب لا يستحق الشكر، لأن هذا هو واجبه، وسائق سيارة التاكسي لا يستحق الشكر لأنه يتقاضى “بدل شكر” نقداً، وشرطي الجوازات الذي يختم جوازك في منافذ الدخول والخروج خسارة فيه الشكر، والموظف الصغير الذي ينجز مهمة كلفه بها رئيسه على أكمل وجه لا يتوقع الشكر، بل كل ما يتمناه هو ألا يسمع عبارة من نوع: ما هذا يا حمار؟ تدريب الكلاب على سلوكيات معينة مثل عدم التبول داخل المباني وعدم تناول الطعام إلا من طبق معين أو ملاحقة المجرمين يقوم أساسا على “الشكر”.. ينجح الكلب في تلبية أمر معين فتعطيه شيئا صغيرا يأكله أو تربت على شعره فيعرف بعدها نوع السلوك الصحيح المطلوب منه، ويثابر عليه.. فما بالك بالانسان؟ طفل كان يعاني من التبول اللاإرادي يصحو في صباحين متتاليين وهو “جاف”، فلا يلقى الشكر والتحفيز بل تأتيه صفعات شفهية: ما سويتها يومين؟ الله يستر (وانتبه إلى أننا نقول: الله يستر، عادة ليس طلبا للستر ولكن تحسبا لما هو سيئ)
في بيئات العمل عندنا تجد أن أكثر العبارات تداولا هي “لفت نظر” “تحقيق” “إنذار” “مجلس تأديب”، لأن إدارة الموارد البشرية عندنا تقوم على إذلال البشر، والغرض من لوائح الخدمة ليس حفظ حقوق العاملين، بل ترويضهم وتأديبهم، ولهذا تجد في تلك اللوائح جداول تفصيلية من نوع: خصم راتب يوم في حالة كذا وكذا!! إلغاء الإجازة السنوية إذا قام الموظف بكذا وكذا.. الحرمان من مكافأة نهاية الخدمة في “الحالات التالية”.. لن تجد فيه نصا على مكافأة الموظف المتفاني أو الأمين، فهذا النوع من الموظفين يعتبر عبيطا وأبلها و”شايف حاله”.
أثقل شيء على قلبي هو قيادة السيارة، مع أن أمنيتي التي كتبت عنها كثيرا في دروس “الإنشاء” في المرحلة الابتدائية، كانت هي ان أصبح سائق لوري وهو الاسم الشائع للشاحنات المتوسطة الحجم في السودان (نقلا عن الانجليزية lorry)، فقد كان اللوري في ذلك الزمان “معجزة صناعية” كما الكمبيوتر في هذا الزمان.. أكره قيادة السيارات لأن معظم من أمر بهم في الشوارع على سيارات يُشعرونني بأنهم يكرهونني، وأنهم يتمنون لي الهلاك أو على الأقل إلحاق تلف بسيارتي.. لا يمر يوم من دون ان يتحرش شخص أو اكثر بسيارتي، رغم أنها من ماركة “محافظة” وليس فيها من الزينة ما يغري بالتحرش.. وقد فكرت قبل سنوات في “اعتزال” السيارات ولكنني لاحظت ان الجميع يكره الجميع، أي ان كل من يقود سيارة يكره كل من يقود سيارة.
وعلى كرهي للسيارات الكبيرة ذات الدفع الرباعي وجدت نفسي مضطرا لاقتنائها واستخدامها، لأنني أدركت أنه كلما كانت سيارتك كبيرة كلما انخفضت معدلات التحرش والاستفزاز، خاصة من قبل أصحاب السيارات الصالون الصغيرة.. يعني الناس يعملون لك بعض الحساب في ضوء حجم سيارتك وليس لكونك آدميا ينبغي الحرص على سلامتك ومشاعرك.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com