وبالقاء نظرة فاحصة تأخذ في الاعتبار التغيرات التي اقتحمت الساحة السياسية بعد انفصال الجنوب، يمكن القول إن هذا الحدث ــ الانفصال ــ كان بمثابة نقطة تحول كبرى في مسيرة الحزب، كان لها الأثر الأكبر على تياراته المتصارعة، وذلك على نحو متباين، فإذا كان الانفصال قد حفز التيار المتشدد ــ الصقور ــ على العودة بالإنقاذ والدولة والحزب إلى العهد الأول، فإنه أيضاً شجع تيار الانفتاح ــ الحمائم ــ على الانفتاح نحو كل القوى السياسية في البلاد، وأنه بالضرورة ــ أى الانفصال ــ أحبط تيار نيفاشا وقلل من رصيده السياسي في نفس الوقت، وأضعف فرصه في المنافسة.
الصراع على خلافة البشيرحتى وقت قريب كانت المنافسة حادة بين التيارات الثلاثة داخل الوطني على رئاسة الحزب والدولة، خاصة بعد إبداء البشير زهداً واضحاً في الترشيح منذ العام الماضي، والمتابع لاتجاهات هذه التيارات يتبين له أن هناك ثلاثة تيارات، الأول يعبر عن أهداف مجموعة «نيفاشا» وهو تيار له رصيد سياسي متين، وبلغ هذا الرصيد ذروته بعد نجاحه في إيقاف الحرب بين الشمال والجنوب بتوقيع اتفاق السلام، ويرى هذا التيار ضرورة الانفتاح والتعاون مع المجتمع الدولي إلى أكثر مما يجب، ولعل هذه نقطة خلاف جوهرية بينه وبين التيار المتشدد.
تيار الصقورأما التيار الثاني فهو تيار الدعوة الى العودة بالحزب والدولة الى عهد الانقاذ الأول، حيث الشعارات الإسلامية وبريق المشروع الإسلامي، وهذا التيار الذي اصطلح على تسميته ــ بتيار المتشددين أو الصقور ــ يرفض سياسة «الإنبطاح»، ويطالب بالتعامل مع المجتمع الدولي بشكل من «الندية» والاحترام المتبادل، وينظر هذا التيار الى الدعوة للانفتاح مع الأحزاب على أنها فخ يُراد به تطويق الانقاذ ورموزها من أجل محاسبتها والقضاء عليها، حيث يرى مساعي القوى السياسية في هذا الاتجاه من زوايا الشك وسوء النية.
تيار الانفتاح
أما تيار الانفتاح داخل المؤتمر الوطني، فيرى أن الوقت بات مناسباً جداً للانفتاح السياسي على كل القوى السياسية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، ويرى هذا التيار أن المخرج الوحيد للسودان والحزب، هو توسيع قاعدة المشاركة، واستمرار الحوار مع كل القوى السياسية، وتقديم كثير من التنازلات في سبيل تحقيق هذا الهدف.
بقراءة متأنية لما بين السطور، يدرك المراقب السياسي أن هناك اختلافاً واضحاً من حيث الأهداف والوسائل ومنهج التفكير من تيار إلى آخر. وإذا كان تيار المتشددين يرى أن سياسة «الانبطاح» والملاطفة والدبلوماسية الناعمة اسلوب لا يجدي مع المجتمع الدولي، فإن التيار الأول يرى ذلك هو المخرج من العزلة الدولية المفروضة على الإنقاذ منذ مطلع التسعينيات، وإذا كان تيار المتشددين يعتبر سياسة الانفتاح على الأحزاب هي «القشة» التي ستقصم ظهر الإنقاذ والمؤتمر الوطني، وبالتالي ستكون بمثابة الوسيلة الماكرة لاستدراج الحزب إلى المحاسبة، فإن تيار الانفتاح يرى أن تلك السياسة هي المخرج الوحيد. ولعل هذا التباين الحاد هو الذي أوجد التيارات الثلاثة المشار إليها، وهو الذي جعل الصراع على خلافة البشير على هذا النحو الذي سبقت الإشارة إليه، وهو قطعاً صراع لا يزال مكتوماً.
من الذي سيفوز بالرئاسةالمتابع لهذه السيناريوهات يلاحظ أن التيار الأول «نيفاشا» بقيادة الأستاذ علي عثمان تبدو حظوظه ضعيفة، لسببين اثنين، الأول أن الاستاذ علي عثمان غير راغب في ترشيح نفسه، ومن حديث الرئيس البشير يمكن أن تستبعد أيضاً خلافته، حيث أكد البشير أن الحزب سيدفع بالشباب، ومعلوم أن «شيخ علي» خارج هذا التصنيف، فضلاً عن تداعيات نيفاشا، أما تيار الانفتاح السياسي نحو الأحزاب الذي كان يقوده الفريق صلاح قوش، فقد ضُعفت فرصه بعد إقالة زعيمه. ولذلك يصبح التيار صاحب الحظ الأوفر هو تيار العودة بالإنقاذ إلى سيرتها الأولى ــ المتشدد. وهذا التيار من المرجح أن يدفع زعيمه الدكتور نافع علي نافع إلى الترشيح في الانتخابات الرئاسية المقبلة وإلى رئاسة الحزب.[/JUSTIFY]
صحيفة الانتباهة