اي شخص يقبل على شيء وهو لديه إنطباع نحوه ندر ما نجح والنتيجة المنطقية التي سنجدها هو الحجج الجاهزة التي سيقولها خاصة إذا كان صاحب إنطباع سيء وجاءت نتائجه سيئة فهو بالتأكيد سيكون معذوراً في محيطه الذي يتعامل وفق روايته. أمثلة هؤلاء الأشخاص ابحث عنهم حولك ولا تبتعد كثيراً فستجد أحد اقربائك أو جيرانك الذي يمتاز بجودة الحديث وحلاوة الكلام يمدح نفسه يقول بأنه كان تلميذاً فالحاً وشاطراً متفوقاً على الكثير من الذين تراهم الآن في الساحة العامة… لكنه يكمل لك سبب عدم إكماله تعليمه بأن المعلم في الفصل كان يقصده ولذا فقد زهج من التعليم !!!. يعني ببساطة يمكن لأحدهم اقناعنا بتوقفه عن شئ لأنه لم يكن صاحب ود مع الطرف القوي الذي تسبب في فشله في مواصلة المشوار وأنت لا تستطيع مناقشة الكبير بإعوجاج هذا المنطق.
ومما يحكى أن أحدهم وهو يكره النظام المسيطر على بلاده لا يخفي سخطه وزهجه ابداً في منزله ذلك عندما يقوم بإغلاق التلفزيون مجرد إطلالة صورة رئيس ذلك النظام، أو في بعض الأحيان يقول عبارات قاسية مثل: (حرامية ومعفنين.. الما نافعين ديل… قتلة ونصابين). وكان لهذا الرجل طفل لم يتعد الأربع سنوات وهو واحد من اعضاء فريق مشاهدة التلفزيون يومياً وقد عرف البرامج المقدمة وكل من يطل على الشاشة يومياً، وفي أحد ايام الاحتفالات الكبيرة زار ذلك الرئيس مدينة هذا الرجل. ومن الغرائب أن ذلك الشخص كان من ضمن الذين يقفون في الصفوف الأمامية في الحشود المنظمة لاستقبال الرئيس وهو يحمل ابنه بل رفعه إلى أعلى حتى يستطيع مشاهدة الرئيس بوضوح، لكن ما أن جاءت فقرة تلاوة كلمة الرئيس وإلا رأى الطفل الشخص الذي يراه يومياً في التلفاز فهتف نحو والده: “بابا..بابا… ياهو الحرامي الكضاب النصاب اللي قاعد نشوفو في التلفزيون كل يوم”. أما الأب الذي اصابته كلمات إبنه بالإحراج فقد صار يهتف وسط الناس قائلاً: “يا اخوانا دا ولد منو دا؟”. وأنكر الأب تماماً معرفته بالطفل في ذلك خوفاً من نتاج كلات الطفل ويقال بأن والدة الطفل جاءت فيما بعد وقامت بتخليصه من ايدي بعض الجهات بسبب الخوف من اعتراف الأب بابنه!!.
واقصى مراحل عدم الدقة في بلادنا يظهر تماماً في أعلى مستوى قيادات حكومات البلاد بشقيها الحاكمة و المعارضة. فالذي يجلس على الكرسي يطلق العبارات بدون قيود ضد معارضيه فهم: “خونة ومرتزقة وضد الدين والوطن”. أما المعارضة فيرون من في الحكم: “عصابة وحرامية ونصابين وقتلة”.
ليتنا ننتبه إلى عدم الدقة في العبارات الذي صار مسيطراً على سلوكنا ولذا فالنتائج غالباً ما تكون سلبية وبدلا من العلاج فنحن نقوم بأخذ العبارات الجاهزة التي تبرر الفشل، فالحاكم يغطي نفسه بثوب استهداف البلاد والمعارض يتدثر بثوب فساد الحاكم وكلاهما يتعمد عدم رؤية الحقيقة وهو فعل ليس جديدا بل من المجتمع الذي يحيط بنا.
لويل كودو – السوداني
4أبريل 2010م
grtrong@hotmail.com