نحن في السودان مازلنا نلوك مضغة بالية ومازلنا نردد أسطوانة مشروخة نتحدث دونما خجل أو استحياء بأننا الذين أسسنا الاتحاد الأفريقي وأننا أحرزنا كأس أفريقيـا في العـــام 1970 .
والعقلاء فقط الذين يدركون أن مثل هذا الحديث الممجوج يعتبر في حقيقة الأمر خصما علينا ذلك أن من يتحدث عن التاريخ ويتشدق به ينبغي أن يكون له مكان في الحاضر والواقع ..
لأن التاريخ يعني وجود الأساس والدعامة المتينة ومن كان يملك الأساس يستطيع أن يبني عليه واقعا متقدما وشاهدا و ماثلاً للتطور والتقدم والنماء بعده يستطيع أن يقول ها أنذا .. لأن الشواهد هي قرائن الخفايا .
ونحن حينما نركز على هذه المفاهيم فإننا نحاول أن نجليها وننقيها من الشوائب السالبة حتى يأتي المنظور واضحا وجليا .. خاصة وأننا في بلد مازالت تكبله الأمية الثقافية التي تقبض بكلكلها على بعض العقول وتجعلها ترزح تحت نير رحاها .. وإن لم نصحح هذه الأفكار المغلوطة فإن الحديث عن التطور الرياضي سيصبح ضربا من الخيال .
أليس من الأجدى لنا أن نهيئ المعين قبل العجين ؟؟ أليس الضروري أن ننظف العقول مما علق بها من شوائب الأيام ؟؟ لنستخلص اللاعب والإداري والحكم المعافى .. ثم يسعى الإعلام الى إشاعة هذه الثقافة بين الجميع .. لكن ما يحدث من الإعلام في أحايين كثيرة ربما يكون معاكسا لذلك كثيرا .. فقد قسم الإعلام الناس إلى أحزاب وأشعل فتيل الإحتراب وفرق الأحباب .
بالأمس القريب فاز المريخ على الهلال .. وصحيح أن هذه المباراة جاءت في ظروف استثنائية .. لكنها مباراة عادية في إطار التنافس الرياضي بين الفريفين .. لكن الإعلام أستغلها مادة لتكريس التحزب الرياضي الى أبغض صوره وألوانه .. حتى ضاع أروع ما فيه .. فقد جاءت المباراة بعد أن قضت المحكمة الإدارية بإلغاء قرارت الوزير واستئناف النشاط الرياضي .. ما يعني يعكس صورة زاهية للقضاء السوداني .. فما من أحد قد ركز على هذه الجزئية الهامة .
هــذه الأفكار السالبة ستظل مسيطرة على العقول وتجعلنا نتصور بعض الأشياء بصورة تختلف عن الواقع كثيرا بل أننا نتصورها حقائق وأفكار صحيحة بينما هي في حقيقة الأمر أخطاء تستصحب معها ممارسة خاطئة ( وما ببني على خطأ يقود حتما الى خطأ ) .
كثيرون في المجتمع الرياضي ومن نخبه يؤمنون بفكرة (( الانطون )) بل يعنبر هذا الأنطون عندهم أكثر أهمية من المدرب والفريق كله .. فهم يسافرون الى أقاصي الأرض للاستعانة به في اللقاءات الدورية وغيرها .. وهذا محمل آخر من محامل الإعتقاد الواهي والوهم الكبير .
لكن ثمة سؤال يجول في الخاطر .. لماذا لم يحرز السودان كأس العالم ؟؟؟ طالما أن أناطيننا على هذه القدرة وهذا التأثير .. ولماذا لم نؤكد جدارتنا بكأس أفريقيا ثانية ؟؟ ثم لماذا تُلطخ سمعة السودان في الأوحال وسؤ الحال كلما شاركنا في منافسة دولية ؟؟ ولماذا تمرغ سمعتنا وسمعة أندينا في تراب الانهزام ؟؟ والأناطين عندنا على قفـا من يشيل ؟؟؟؟ اسألوا عثمان الحاج ليخبركم عن حال التحرير الآن .
ثم لماذا نتعب أنفسنا باستجلاب المدربين واللاعبين الأجانب والمحترفين ؟؟ أما كان الأجـدى لنا أن نوفر كل هذا العناء والمال ونأتي بأناطين يديرون لنا الكرة بالرموت كنترول ويدخلونها الشبكة بدلا من هذا العك الذي نسميه زورا أداء رياضيا ؟؟
ولماذا يطالب اتحادنا العام بميزانية للفريق القومي ولماذا يملأ المتحدثون التلفزيون ضجيجا وهم يتحدثون عن ضــرورة دعــم الدولة للرياضة .. وهاهو (( عمر النقي )) في برنامج الرياضة يمارس عادة الإقلاب لحرفي (( الغين والقاف )) كما يحلو له دون أي توجية أو تبصرة من أحد .
العالم كله ينادي بأن النهضة الرياضية تقوم على الناشئين والمدارس السنية بينما ما يزال إداريونا في الأندية يعتقدون أن اللاعب الجاهز الذي تجاوز الثلاثين من العمر أكثر فائدة من عشرة ناشئين والدليل على ذلك ما يقوم به هؤلاء من إهدار للمال العام في صفقات خاسرة بتسجيل لاعبين انتهت أعمارهم الافتراضية في الملاعب .
العالم كله يدرك أن الجو الرياضي السليم المعافى هو الأنسب للنهضة الرياضية .. بينما يتبارى الإعلاميون عندنا في إفساد الجو والذوق العام من خلال التحشيد الماكر والكلمات الخبيثة .. واستعداء الآخر .. وتفريغ الرياضة من كل مضامينها الجميلة الى حالة من الترصد والعداء العام .
إتحادنا الهمام الذي قضى على هيئة رعاية الناشئين وقضى على فكرة الأشبال في الأندية بدعوى أن الممارسة لم تكن صحيحة .. وهذا يذكرني بمنطق الرجل الذي قتل حماره لأنه أكل شجرة الرمان التي يقتنيها .. لماذا لم يصحح الاتحاد الهمام المسار إن كان بالفعل يؤمن بالفكرة ؟؟ ثم لماذا لم يقدم طرحا جديدا إحلالا للنظام القديم .
ألم يدرك هـــذا الاتحاد أن أغلب اللاعبين الذي يمثلون السودان الآن هم في حقيقة الأمر ممن مروا على تلك التجربة التي أثرت معينهم الأدائي .. ( رغم تحفظاتنا على طريق الاختيار ذاتها ) .
أما قضية الناشئين فهي أكثر تعقيدا من التطرق اليها في هذه العجالة العابرة ذلك أن هناك معضلات كثيرة تعترض سبل الاستفادة منهم وتهيئتهم للدور المطلوب .. وأول تلك الصور هي الأزمة الأخلاقية السالبة التي تكتنف الأندية وأهلها ومجتمعها والتي تشكل حجر عثرة أمام الأباء والتي تجعلهم يحجمون عن إرسال أبنائهم اليها .. وهذه قضية أخرى سنتناولها في مرة قادمة وبصورة أوسع لأن العصافير لايتعيش مع الصقور .
وحينما تصبح الأندية مهيأة بالمستوى الذي يجعلها تستقبل الأسر في دورها .. هناك يمكننا أن ننادي بفكرة النادي الأسري الشامل وعندها نعمل الفكر لتنفيذ فكرة الناشئين والمراحل السنية لأن الناشيء يكون تحت رقابة الأهل وعندها يمكن للناس أن يثقوا في الأندية ورجالها بل يمكن وقتئذ للبيئة الرياضية أن تستوعب فكرة الأشبال والناشئين .
يحجم الكثيرون عن الحديث في هذا الأمر لحساسيتة رغم أن الجميع مُقرون وموقنون بهذه الصورة السالبة .. لكن حياءا في النفس يجعل الكثيرين متعففين عن الخوض في ذلك .. على الرغم من أن المعالجة تكمن في مواجهة العلة بشيء من النقد الذاتي . وشيء من الإعتراف بحقيقة المسألة ووجودها .
—————
ملء السنابل تنحنى بتواضع ….. والفارغات رؤوسنهن شوامخ
————–[/ALIGN]
صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو )
shococo@hotmail.com