فالرجل قد أصبح كالسجين بعد أن تخلت عنه المنظمتان الإقليميتان: الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، وبعد أن لم يعد له ممثل في الأمم المتحدة.
فالجامعة العربية قد طردت مندوبه منها، والاتحاد الأفريقي كان له ثلاثة ممثلين في مجلس الأمن كلهم وافقوا على حظر الطيران عليه، واتخاذ كافة الإجراءات بتأمين المدنيين، ذلك القرار الذي يعده القذافي جريمة في حقه.
ُثم أن أوروبا قد ضربته متحدة ممثلة في حلف الناتو، وبالاشتراك الإيجابي من جهة أمريكا، وإن شاب ذلك بعض الارتباك. وفتح ضده بلاغ في محكمة الجنايات الدولية، وعمم أمر قبض عند الانتربول مختلف في ذلك اختلافاً جذرياً عن حالة الرئيس عمر البشير الذي تعترض الدول الافريقية كلها والدول العربية ودول اخرى كثيرة على مساءلته، بينما أن القذافي يقف منفرداً ليس معه في الخارج أحد إلّا قلة من الموالين والمرتزقة وجزء من القبيلة ثم أسرته الخاصة.
ثم أن انهيار جدار الموالين الأقربين منه وخاصة وزير خارجيته ومستودع أسراره الخاصة موسى كوسا، يعد لطمة موجعة للرجل، لأن موسى كوسا تحقق معه بريطانيا الآن في مسألة طائرة البان أمريكان المسقطة في لوكربى.. تلك القضية التي اعتبرها القذافي ملفاً قد أُغلق بعد أن دفع مليارات الدولارات تعويضاً لأسر الضحايا، ولكن ما فات على القذافي أن الأوروبيين كما يقول السودانيون «مثل أم فتفت» كلما ظننت أنك قد نظفت جزءأً منها ظاهراً لك تبين لك بعد ذلك أن هناك أجزاءً أخرى ما تزال متسخة وعندهم مقدرة غريبة على أخذ كل شيء من الضحية بعد أن يتبين لهم انهيارها، عندها يأخذون الحق وما بعد الحق وما بعد بعد الحق. وذلك كله مع تسليم الرجل لهم مشروع مفاعله النووي، وقوله صراحة إن أمنه من أمن اسرائيل ولكن هيهات..!!
وأما صديقه الشخصي برلسكوني الإيطالي فقد تخلى عنه بعد أن تردد شيئاً ما، ولكن لما تحقق من أيلولة القذافي للسقوط فتح قواعده لضربه.
لم يبق له إلّا هوغو شافيز الفنزويلي «القومي العربي» كما قال مرّة، ومناورات متباعدة للدعم الشفوي من روسيا والصين، ولكن نكد البعد الجغرافي لفنزويلا وروسيا والصين يجعل هذه المؤازرة من جهتهم للقذافي غير ذات جدوى، خاصة في ظل الحظر الجوى وحظر السلاح والمطاردة القضائية للرجل وطرد مندوبه من الأمم المتحدة. فمن عجائب القذافي أنه عين مندوباً لليبيا من أمريكا الجنوبية، فقالت رايس مندوبة أمريكا في المنظمة الدولية إن هذا المندوب لن يقبل في المنظمة الدولية، لأنه دخل أمريكا بتأشيرة سياحية..!!
حالة القذافي وهو مغلق عليه في ليبيا كحالة الخليفة عبد الله التعايشي في السودان عام 1898م، حالة رجل يحكم دائرة ــ قد تكون واسعة ــ في بلده ولكنها بلا نافذة إلى الخارج … ومأساة القذافي أكبر من مأساة الخليفة عبد الله، لأن إحساس الخليفة عبد الله بالخارج ليس كاحساس القذافي الذي يرى نفسه ملك ملوك افريقيا، وأمين الأمة العربية، وصاحب النظرية الثالثة لحكم العالم[/JUSTIFY]