طيب ما هو الدافع الشخصي للتزوير؟ ـ دافعنا الشخصي هو تحقيق أعلى ربط بهدف حصولنا على أكبر حافز.
لماذا جئت لتعترف الآن بهذه الجريمة؟ ـ في الحقيقة أردت أن أريح بالي من عذاب الضمير، ولأن الأوامر التي زوّرتها أنا ما زالت الولاية تعمل بها الآن، وهناك بعض الجهات مطاردة بسبب عدم دفعها لهذه المبالغ الكبيرة التي ارتفعت بسبب التزوير الذي قمت به في ذلك الوقت منذ العام 2003م والسبب في كل ذلك أنا..
أخبرني كيف كنت تقوم بعملية التزوير؟ ـ في الواقع كان هناك أمر محلي أجازه مجلس الولاية، هذا الأمر يحدد الرسوم المطلوبة من الشركات والهيئات والمؤسسات، أنا ومعي بعض الإخوة قمنا بتزوير هذا الأمر، والأمر المحلي صادر عن الوالي وأجازه المجلس.
كم كانت رسوم النفايات لكل جهة في ذلك الأمر المحلي؟ ـ الرسوم تختلف من جهة إلى أخرى، مثلاً البنوك المطلوب منها دفع «125» جنيهًا شهرياً حسب الأمر المحلي الصادر عن الولاية لكن نحن زورنا هذا الأمر إلى «500» جنيه في الشهر حتى نحقق أكبر ربط لزيادة الحافز الذي نحصل عليه، والشركات الكبرى أيضاً نفس الشيء مثل مجموعة النفيدي وغيرها من الشركات..
وهذه المبالغ الزائدة تذهب إلى جيوبكم؟
ـ لا، لأن أغلب هذه المطالب توضع في شيك باسم المشروع لذلك لا نستطيع التصرف فيها، ومصلحتنا نحن في تحقيق أكبر ربط فقط.
لا بد أن هناك مبالغ ما تذهب إلى جيوبكم؟ ـ «مقاطعاً» أحياناً عندما نضع مطالبة عالية لجهة ما، تطلب منا هذه الجهة التخفيض، فنفعل، وتقوم بتحفيزنا، ونحن أساساً لم نخفض المطالب، هي نفسها غير قانونية، ونخفض شيئاً مما أضفناه عن طريق التزوير، ونحن أصلاً نأخذ أكثر من الحق القانوني.
هل تذكر مثالاً محدداً لذلك؟ ـ يا أخي نحن مثلاً نذهب إلى مؤسسة نطالبها برسوم نفايات بـ «6» ملايين. وعندما يطلبون التخفيض مثلاً نخفض لهم «3» ملايين ونأخذ منهم «3» ملايين ولكن في واقع الأمر أن المطالبة الحقيقية مليون واحد أو مليون ونصف المليون، ويعطونا «200» أو «300» جنيه نأخذها، والـ«3» ملايين تذهب إلى إدارة التحصيل بالمشروع الذي يتبع للولاية.
في رأيك لماذا تقبل الولاية ومشروعها بمبالغ زائدة عن الرسوم القانونية؟
ـ والله يا أخي هذا ما يحيِّرني ولا أجد له إجابة، وأعتقد أنهم يدركون أن هذه العملية «غلط» وهم حتى الآن يتحصلون الرسوم وفقاً للأمر المحلي الذي زوَّرناه بل هم الآن يزيدون على ذلك بأن حاولوا الآن تقنين ما قمت به من تزوير، يعني عملوا «مشروع جديد» ليصلوا به إلى المكان الذي أوصلتهم له بالتزوير، ونحن كنا مضطرين لأننا إذا لم نحقق الربط المحدد لن يعطونا حافزًا إلا إذا حققنا الربط بنسبة «100%» أو «98%» وإلا كان الحافز ضعيفاً، وكانوا يتركون لنا الأمر لنتصرف بطريقتنا لتحقيق أعلى ربط.
هل تريد القول إن الإدارة دفعتكم دفعاً إلى التزوير؟ ـ نعم الإدارة هي التي دفعتنا لذلك، وكلما نحقق زيادة الإدارة تثبت لنا هذه الزيادة.
هل الإدارة تعلم تماماً أنكم تزوِّرون الأمر المحلي بهذه الطريقة…؟ ـ أقول بصراحة إن مدير القطاع هنا «الخرطوم» كان يعلم كل شيء لأنني أخبرته بذلك، لكن المدير العام لا يعلم، وكان مغيبًا تماماً، وكانت تأتيه هذه المبالغ و«ينبسط» لذلك، وأنا كان لديّ فقط «5» مواعين إيرادية، كنت أتحصل منها على «150» مليونًا في الشهر وكان الناس يستغربون لذلك، والمدير حفّزني لذلك، وفي الواقع أنا أيضاً «استغليت» علاقاتي الشخصية في هذا الجانب، وهناك موظفون في الشركات والهيئات والمؤسسات والوزارات تقوم بتحفيزهم لتسهيل استخراج الشيك، والحافز نمنحه لهم بطريقة رسمية، وقد ذهبت للمدير العام وقلت له إن المبالغ التي نتحصلها لا تأتي نتيجة لقراراتكم أو أوامر لكن بعلاقتنا الشخصية مع هؤلاء الموظفين وأقنعته بذلك لتحفيزهم رسمياً.
نريد أمثلة أكثر تحديداً لعمليات التزوير التي قمت بها؟ ـ مثلاً في شركة النيل الكبرى لعمليات البترول نتيجة «زعلة» واستفزاز وضعت لهم مطالبة بـ «60» مليونًا في السنة وذلك بعد أن أضفت في الكشف «أبراج»، والحقيقة «أبراج» ليست عندنا في الجدول، فقد كانت هناك بنوك وشركات فقط، فوضعت على الكشف «أبراج» وحددت المطالبة بنفسي بصورة غير قانونية وفعلاً قاموا بدفع «60» مليونًا في شيك واحد، والأمر بعد ذلك سار على هذا المنوال حتى بلغت مطالبتهم الآن «200» مليون في العام، ومن المفترض أن تكون رسومها «3» ملايين في السنة باعتبارها شركة كبرى فقط ورسومها الشهرية «250» جنيهًا والرسوم حسب الأمر المحلي ـ قبل تزويره ـ تصل «3» ملايين في السنة وإذا حصل أن أخذنا هذه المبالغ «كاش» يمكننا وضع «57» مليونًا منها في جيبنا لكن الشركة تعطينا هذه المبالغ في شيك باسم المشروع فلا نستطيع التصرف فيها. أشرت إلى الشركة العربية؟ ـ نعم إحدى زميلاتنا وقّعت معهم عقدًا في المبنى الموجود فيه الآن شركة «زين» بمبلغ «2نصف» مليون جنيه وهذا عقد لا خلاف فيه، لكن أنا في نفس المبنى وقّعت عقدًا مع شركة «زين» بـ «60» مليونًا في السنة، ولا أدري كيف اقتنعوا بذلك.
في رأيك لماذا هذا التساهل؟ ـ لأننا كنا نحمل أمرًا محليًا ـ وهو الأمر المحلي الذي عدلناه.
تقصد «زوّرناه»؟ ـ نعم، وهؤلاء الناس «ما براجعوا» ـ لا يتحققون من المطالبة.
وأقول لك شيئًا غريبًا: أنا ذهبت وجلست مع أمين عام المجلس التشريعي بالولاية آنذاك عبد الملك البرير ـ معتمد الخرطوم الحالي ووضعت أمامه مطالبة عالية ـ فنظر إليها وقال لي: معقول نحن وضعنا رسومًا بهذا المبلغ الكبير ـ وهو الذي أجاز الأمر المحلي ـ الأصلي ـ الذي زوّرناه ـ وأنا بقلب قوي قلت له: «أيوه» لكنه لم يفكر في أن يراجع المسألة ولا يرجع إلى ناسه!! ووافق ولو أنه طلب من أي موظف كان سيأتي له بالأمر المحلي الحقيقي.
كم كان المبلغ؟ ـ المبلغ كان «6» ملايين تقريباً، ليس هو فقط وقد كان معي ضابط إداري أتيت معه لأنه كان يعرف عبد الملك البرير لا هو ولا الضابط لم ينتبهوا، وقلت له «ناسكم ديل» رفضوا يمرروا لنا هذه المطالبة فنظر فيها ووقّع عليها.
وكم هو المبلغ القانوني وفقاً للأمر المحلي الذي كان يُفترض أن يدفعه لكم المجلس؟
ـ المبلغ الحقيقي مليون ونصف مليون فقط والأمر هم الذين أجازوه وأخرجوه للناس.
في رأيك أنت إلى ماذا تعزو ذلك؟ ـ للفوضى الشديدة، والحقيقة الشغل كان عشوائيًا ومطالباتنا كانت في «شنطنا» وأي شخص منا كان يضع المطالبة بمزاجه ويعدل الأمر المحلي بطريقتنا، لو كانت الجهة التي نذهب إليها «دسمة» وتدفع دون تعطيل نزيد لهم المطالبة كيفما نشاء.
هل تفعلون ذلك مع الوزارات؟ ـ نعم حتى وزارة المالية نفسها.
وهل هناك نماذج معينة؟ ـ ذهبنا ذات مرة إلى وزارة المالية وكان مدير الإيرادات في الوزارة كان رافضًا يمرر المبلغ، لكن بعد ذلك أصبحنا نحفزه «يضحك» وكثيرون كنا نحفزهم.
كم المبلغ الذي طالبتم به وزارة المالية آنذاك؟
ـ «10» ملايين ورفض المدير تمريره بحجة أن المبلغ كان كبيراً، وهي رسوم نفايات لمدة سنة، وبعد شهرين من المطالبة لم نظفر منه بشيء و«ناسنا أصبحوا يضايقوننا ويقولون لنا ليه الراجل دا غلبكم» بعد ذلك لجأنا لخطة جديدة.
ما هي تفاصيلها؟ ـ كنت أنا أقف إلى جانب ـ المدير المسؤول بالمالية، وكان زميلي اتصل بي وهو خلف مكتب ذلك المدير، وقال لي «أديني» المدير في التلفون، فقال له زميلي: معاك مدير مكتب الوالي: يا أخي الناس ديل انت ليه ما داير تمرر ليهم شغلهم، لو ما مررته لهم أنا بخلي الوالي يتصل بوزيركم دا يشوف شغلو معاه.. هنا في الحال مرر المدير الشيك.
لماذا كان زملاؤك يسمونك الساحر؟ هل لهذه الجرأة أم لماذا؟ ـ سبب التسمية أنني ذهبت يوماً إلى وزارة التعليم العالي في وقت سابق وكان زملاؤنا عملوا مطالبة بـ«8» ملايين لكن الأمين العام للوزارة رفض الدفع، لكن أنا عملت بمطالبة «21» مليونًا ووضعتها أمامه وكان للوزارة «6» إدارات وأنا أجملت كل تلك الإدارات ووضعت على كل إدارة «3» ملايين والوزارة «3» ملايين أي «21» مليونًا والإدارات أصلاً دفعت الرسوم التي عليها، كل إدارة دفعت المطلوب منها لكن أنا بعد ذلك أجملتها ووضعتها في مطالبة واحدة والوزارة قامت بدفعها.
ـ يعني الإدارات كانت تدفع مرتين مرة بنفسها ومرة تدفعها الوزارة، فقال لي يا أخي سبق أن طالبتمونا بـ «8» ملايين فقط والآن تطالبوننا بـ«21» مليونًا؟!، فقلت له «8» ملايين هذه رسوم نفايات الوزارة فقط وأنا خفضتها لكم، فطلب مني مزيدًا من التخفيض فخفضت له «6» ملايين فدفع «5» ملايين، لذلك الناس أطلقوا عليّ اسم الساحر لأن الأمين العام كان رافضًا دفع الـ«8» ملايين وأنا دفّعته «15» مليونًا.
كم المبلغ القانوني الذي كان يجب أن تدفعه أي إدارة قبل تزويركم للأمر المحلي؟ ـ كان مفروضًا أن تدفع كل إدارة مبلغ «600» جنيه فقط في السنة لكن نحن بعد التزوير عملناها «3» ملايين «بالقديم»..
نواصل[/JUSTIFY]
الانتباهة