أما عندنا فإن الأمر يختلف؛ فبالرغم من أن اللغة الرسمية والوطنية هي اللغة العربية إلاّ أن الاهتمام بها جعلها تتراجع إلى المرتبة الثانية أو الثالثة أو تركوها نهشاً للخراب والضعف حتى صدق عليها قول شاعر النيل حافظ إبراهيم :
من يدخل إلى مجمعاتنا التجارية الكبرى سيشعر منذ الوهلة الأولى لزيارته عددا من المحلات والمطاعم و”كوفي شوب” أنه ربما في بلد غير عربي وأن الزوار والزبائن إنما هم من أصحاب العيون الخضراء والزرقاء من “العلوج” والإنجليز الذين لابد أن نكون كرماء معهم أكثر من اللازم، وأكثر مما يحتاجونه حتى لو قدّمنا لغتهم على لغتنا العربية في “المنيو” الجداري أو الورقي، بل حتى لو تخلصنا من العربية وأبقينا لغتهم الإنجليزية في هذا “المنيو” وهذا ربما هو الغالب والمعمول به الذي لا يثير حفيظة أحد ولا يستفز دعاة العروبة وحماتها.
على أن الأمر لا يقف عند حدّ المحلات التجارية في المجمعات والأسواق بل تنتقل آفته إلى بنوكنا التجارية الوطنية، زيارة واحدة لهذه البنوك في مقارها وكذلك في مواقعها الإلكترونية سيتبين خلالها مقدار الغبن الذي تعاني منه لغتنا العربية في هذه البنوك، عموم البنوك بما فيها بعض البنوك الإسلامية التي كان المأمول منها أن تُعلي من شأن لغة القرآن الكريم بدلاً من أن تذوب في بحر تغريب اللغة مع بقية البنوك.
وإذا تجاوزنا عن كل ذلك، وواسينا أنفسنا بأن ما ذكرناه يتعلق بالقطاع الخاص ممن يصعب إلزامهم، إذا صدقنا ذلك وحاولنا التبرير رغم صعوبة واستحالة الاقتناع به فإن بعض مؤسسات الدولة وشركاتها لا تعطي اللغة العربية الاهتمام الكافي ولا تضعها في المرتبة الأولى. واسمعوا إن شئتم – مثلاً- حينما تتصلون بطوارئ الكهرباء والماء، ما هي اللغة التي تستقبلكم أولاً وترحب بكم ابتداء: Thank you for calling the Authority of Electricity & Water وبعدها تأتي اللغة العربية “شكراً لاتصالكم بهيئة الكهرباء والماء” وأحسب أن مثلها ليسوا بالقليل، أول كلمة تسمعها من بدالتهم أو طوارئهم أو خطوطهم الساخنة سThank youس أو . Welcom
وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى مراجعة فليس صحيحاً أن ننزل بأنفسنا من قدر لغتنا، ولا أتصوّر أنه في مقدور أي مؤسسة ما في بريطانيا أو أمريكا أو اليابان أو فرنسا أو الصين أو إيران أو غيرها أن تخالف خدماتها لغتهم الأم أو تقدّم عليها لغة أخرى.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com