حكومة الجنوب ذكرت عدة مرات أنه لا استغناء عن الآخر، وبالمقابل قال اقتصاديون إن حكومة الشمال يمكن أن توفر مليارات الدولارات بإيجار الخطوط الممتدة في طول (3.500) كليو متر إلى بشائر. ويشير الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير إلى أن تهديد حكومة الجنوب باتخاذ قرار وقف تصدير النفط قرار سياسي ليس إلا، وكرت ضغط محروق وغير صالح في أوانه، لأن شراكات النفط مرتبطة بشركات عالمية لها استثمارات ممولة من بنوك عالمية، وهذا الارتباط ينتهي في عام 2014. ويقول الدكتور الناير إن إنشاء خطوط بديلة مكلف جداً ويحتاج دراسات جدوى اقتصادية عميقة تستصحب البعد الأمني والجغرافي وأن ما أعلنته الحركة الشعبية، على لسان باقان أموم، حديث غير وارد إطلاقاً في مجال النفط في ظل انعدام خيارات أخرى محفزة في الوقت الراهن، وشدد: لا خيار أفضل إلا التصدير عبر الشمال وإلا تلجأ حكومة الجنوب لنقل البترول في الشاحنات، وهذا سيرفع تكلفة الإنتاج بصورة كبيرة ولا يحقق فائدة مرجوة للاقتصاد الجنوبي، حيث إن سعة الشاحنات محدودة وتقطع طرقاً طويلة ووعرة وغير آمنة، وبالتالي الخسائر المتوقعة ستكون كبيرة، بالإضافة لفترة تنفيذ الخطوط التي ربما تحتاج لأربع سنوات.
وأشار الناير إلى أن حكومة الجنوب لا يمكنها فعل ذلك مقارنة بالمشكلات المتعددة التي تواجهها آنياً، حيث إن الاضطرابات الأمنية بالجنوب تعوق حتى التفكير في إنشاء خطوط أنابيب، دعك من تغيير وجهة منفذ التصدير. وبخلاف للمؤشرات السابقة التي تعرقل إقامة خط للأنابيب عبر ميناء ممبسا، ذكر وزير رئاسة مجلس الوزراء القيادي بالحركة الشعبية؛ لولي بيونق في تصريحات سابقة نشرتها (الأهرام اليوم)، أن حكومة الجنوب أعدت دراسات جدوى لنقل البترول عبر ميناء ممبسا وأثيوبيا، وصولاً إلى جيبوتي، لكنه برر الخطوة بأن سعة أنابيب الشمال ربما لا تتحمل بترول الدولتين في المستقبل، وأشار إلى أن الجنوب سيستمر خلال السنوات الأولى من الانفصال في استخدام أنابيب النفط في الشمال لأنه ليست لديه إمكانيات لإنشاء خطوط بديلة ويبدو أن ما ذهب إليه د. لولي منطقيً، لا سيما وأن تكلفة إنشاء مصفاة لتكرير البترول بالجنوب بلغت (600) مليون دولار، هذا بالإضافة إلى تكلفة إنشاء مصفاة لتكرير البترول بالجنوب. وفي ذات السياق يقول د. محمد الناير؛ الخبير الاقتصادي خلال حديثه لـ«الأهرام اليوم»، هنالك عوامل أخرى تؤكد استحالة تنفيذ هذه الخطوة، مثل كمية الإنتاج الحالي بالجنوب، فلا يتناسب مع إقامة خطوط خاصة للإنتاج إلا إذا تمت زيادته بإنتاجية عالية، وبالخصوص على الحدود الكينية، ويضيف: العوامل الجغرافية إذا اعتزمت حكومة الجنوب بناء الخطوط الجديدة، فيعني البناء يرتفع إلى أعلى ويؤدي إلى التأثير على العائدات المقدرة للنفط التي تعتمد عليها الجنوب بنسبة (90%) وافتقاده لمواد أخرى في موازنته العمومية. واستبعد د. الناير حدوث أي تأثير على الشمال بوقف التصدير عبره، خاصة وأنه يسعى حالية نحو مزيد من الاستكشافات الجديدة، وقال إن حكومة الجنوب عليها أن لا تتحدث عن هكذا قرار إلا إذا أنشأت مصفاة وامتلكتها لتحل مشكلة تصنيع الخام إلى مشتقات استهلاكية، وبعدها يمكن أن تتحدث عن خيارات بديلة للتصدير، أما إذا لجأت إلى وقف التصدير عبر الشمال فإنه ما عليها إلا إيقاف الإنتاج أيضاً لأن البترول منتج لا يحتمل التخزين إلا في الآبار، وزاد: السودان إذا زاد إنتاجه بكميات كبيرة في خلال السنوادت المقبلة وأصبحت تتوافق مع طاقة الأنابيب تكون المصلحة في تصدير البترول الوطني وليس بترول دولة أخرى. ويعزز ذلك الاتجاه الذي أشار إليه الناير ما أعلنته الحكومة عن بشريات قادمة وبدء عمليات الحفر في مربع (14) شمال السودان الذي يحتوي على احتياطي من النفط يصل إلى بليوني برميل وفي مربعات أخرى بكل من شمال دارفور وجنوب كردفان.
ويتفق المستشار الإعلامي لوزارة النفط السودانية؛ السر سيد أحمد مع د. الناير بأن الأسلم أن يتعاون الطرفان في الناحية الاقتصادية، واعتبر القرار سياسياً أكثر من كونه اقتصادياً. وقال السر لـ«الاهرام اليوم»، إن الشركات المستثمرة في قطاع النفط لها حقوق من استخراج النفط تستمر لغاية عام 2014م، ودعا السر الحكومة السودانية إلى استخراج النفط بالشمال بوضع تمويل مقدر وإيجاد شركات مقتدرة وتأمين مناطق الحقول.
وزيرة الدولة بوزارة المالية الأسبق؛ د. عابدة المهدي، قالت إن الجنوب أصبح بلداً غير ساحلي بعد الانفصال وإن الجدوى الاقتصادية في بناء خط أنابيب متصل بميناء ممبسا في كينيا سيظل موضوع تساؤل وإن إنشاء مصفاة صغيرة في الجنوب سوف يفي بتغطية الطلب المحلي وجزء من الطلب الإقليمي. وتقول في ورقة أعدتها حول تداعيات انفصال الجنوب على الاقتصاد: غير أن البنيات الأساسية الموجودة في الشمال تظل أكثر الخيارات المتوفرة للتصدير في فترة ما بعد الانفصال، وتؤكد عابدة أن الجنوب سيستمر في تصدير نفطه عبر خط الأنابيب الممتدة في حقوله الواقعة في جنوب البلاد عبر ميناء بورتسودان، وتضيف: قد يكون من الملائم وضع تقدير في حدود (10%) من إنتاج الجنوب النفطي يخصص للشمال مقابل خدمات النقل والتقنية. وتشير (الأهرام اليوم) إلى أن عمليات التنقيب عن البترول بالبلاد بدأت عام 1974م بتوقيع اتفاقية مع شركة شفيرون الأمريكية تم أعقبتها اتفاقيات مع شركتي (توتال) الفرنسية و(صن أويل) الأمريكية عامي 1992م وتم حفر (95) بئراً استكشافية من (46) منتجاً في حقول سواكن، أبو جابرة، شارف، الوحدة، طلح وهجليج الأكبر وعدراييل وحقل كا يكانق، وفي بداية التسعينات وقعت الحكومة اتفاقيات مع شركات تغطية عالمية مختلفة شملت (IPC SPC)، شركة الخليج (GPL) و(CNP) الصينية وشركة الكونستريوم.
صحيفة الأهرام اليوم