المعارضة و(smc).. هل تفصل بينهما المحكمة؟

تاريخياً لم يعرف السودان ثقافة الإغتيالات السياسية على مر الحقب وأنظمة الحكم، ولم يسجل التاريخ حالة اغتيال لرئيس الجمهورية أو زعيم حزب، فالرؤساء والزعماء السياسيين يعتلون المنصات المكشوفة ويخاطبون جماهيرهم ويتجولون وسط الناس دون خوف أو وجل.
وظل النسيج السياسي والاجتماعي يشد بعضه بعضاً لم يفصل بينهما فرقعة سلاح أو طلقة نارية استقرت بقلب رئيس أو رأس زعيم سياسي.
فالشعب السوداني بألوانه السياسية كان عند حسن ظن الرؤساء والزعماء يبادلونهم ذات الثقة بينما تنحسر هذه الثقة وتتلاشى بالدول الأخرى.. إذ حدثت الكثير من الاغتيالات السياسية وأُغتيل رؤساء دول وزعماء سياسيون.. ما جعل رؤساء الكثير من الدول يخاطبون جماهيرهم من أعلى بناية أو عبر الشاشة البلورية.
ولكن في الآونة الأخيرة تنطلق الإتهامات بين المعارضة والحكومة وإعداد مخططات تخريبية تستهدف الخرطوم والمواقع الإستراتيجية بها.. ربما أثر ذلك على تماسك النسيج الاجتماعي والسمعة الطيبة التي تميز بها الشعب السوداني في تفاعلاته مع القضايا السياسية.
فالجدل الذي أُثير أخيراً بين المعارضة والحكومة بلغ ذروته خلال اليومين الماضيين حينما تصدرت الصحف أنباء نُسبت لمركز الخدمات الصحفية بأن الحركة الشعبية بمساندة أحزاب المعارضة تعتزم تنفيذ مخطط تخريبي يستهدف الخرطوم (العاصمة) بتمويل أجنبي يستهدف مواقع إستراتيجية.
وحملت ذات الصحف أنباء في اليوم التالي نفياً من أحزاب المعارضة والحركة الشعبية وردت الكرة للحزب الحاكم واتهمته بأنه يبيت النية لتنفيذ اغتيالات وتفجيرات.
هذه الإتهامات المتبادلة -وبحسب مراقبين – ربما تودي الى تفجير الأزمات السياسية في ظل التصعيد الذي تعتزم أن تقوم به أحزاب المعارضة بإعلانها رفع دعوى قضائية ضد مركز الخدمات الصحفية الذي يعتبرونه أحد أذرع الحكومة.
ويبدو أن أحزاب المعارضة بدأت تخطو خطوات جادة في مسعاها لمقاضاة الجهة التي أوردت خبر المخطط التخريبي وبحسب المعلومات المتوافرة فإن لجنة قانونية تم تكونها للشروع في الإجراءات القانونية وتوفير الحيثيات توطئة لرفع الدعوى ضد المركز.
ويشكك بعض خبراء القانون في صحة هذه الإجراءات وقالوا إن المعارضة كمجموعة أحزاب لاتستطيع رفع دعوى قضائية فهم ليسوا مسجلين بمجموعتهم هذه كشخصية اعتبارية.. وبالتالي لا يحق لهم مقاضاة أية جهة. بينما شكك آخرون في مصداقية الأخبار التي تصدر من مركز الخدمات الصحفية وقالوا إن المركز عادة (يفبرك) الأخبار لصالح الحكومة وضرب المعارضة.
د. عبد الرحمن ابراهيم مدير مركز الخدمات الصحفية رد الاتهام لأهله وقال: المعارضة هي التي يجب أن تكون في موقف الاتهام ويمكننا أن نثبت ذلك وزاد: نحن وسيط إعلامي يطرح القضايا بجرأة ونتميز بمصداقية ومهنية عالية وهو دور مطلوب من كل المؤسسات الإعلامية أن تطرح القضايا بشفافية ومهنية وتترك للمواطن أن يحكم.
ودافع عن موقف المركز وشدد بأن كل ما يورده من أخبار ومعلومات صحيحة وأنه يستطيع أن يثبت صحة ما أورده حول خبر مخطط الحركة الشعبية وأحزاب المعارضة. وزاد: أنهم أثبتوا صحة ذلك بأنفسهم حينما أكدوا إقامة الندوة ثم الخروج في مظاهرة.. وقال إنه بكشفنا للمخطط يجب أن تشكرنا القوى السياسية التي خُدعت مرات عديدة من الحركة الشعبية فهي الآن تستدرجها لمخططها الرامي لإشاعة الفوضى والتخريب فتقع في الفخ الذي نصبته لها الحركة الشعبية كما تفعل دائماً فيجب على المعارضة أن تكون أشرف من ذلك.
وزاد: ظلت الحركة الشعبية تستغل القوى الشمالية لتحقق أغراضها وتدير لها ظهرها حينما تصل لما تصبو إليه. إذ حدث ذلك قبل اتفاقية السلام ثم جرها للعمل المسلح ولاحقاً شكلت تجمع جوبا الذي وضع العراقيل أمام الشريكين ثم استخدامها لإفشال الانتخابات وسحبها لمرشحها لرئاسة الجمهورية، كل ذلك -بحسب عبد الرحمن- لم يوقظ ضمير المعارضة التي ظلت ضحية لمخططات الحركة الشعبية المدعومة مادياً وتخطيطياً من الدول الأجنبية.
واعتبر أن الإجراءات القانونية التي ستتخذها المعارضة ضد المركز مزايدة سياسية.. فالأمر يتعلق بالحركة الشعبية كما ورد بالخبر وهي لا تمتلك شرعية قانونية ولا سياسية لمقاضاة المركز فهي الآن -بحسب عبد الرحمن- حزب أجنبي لا يحق له أن يمارس عملاً سياسياً ناهيك عن أنه مخطط تخريبي، فالقوى السياسية إن كانت تتبنى مواقف وطنية يجب ان تقاضي الحركة الشعبية لأنها استدرجتهم لعمل تخريبي.. ولكن قيادات المعارضة عرفت بمصالحها المشتركة مع الحركة الشعبية ومواقفها ودورها المخزي غير الوطني على حد تعبيره.
وأكد في حديثه ان المركز مؤسسة إعلامية وطنية تعمل وفق القوانين الصحفية لا تتجاوز القانون، فإن أرادوا السير في إتجاه القضاء فستخضع القضية للقانون، ونستطيع ان نثبت صحة ما ورد بالخبر.
إذن، فالأمر برمته سيخضع للقانون والإجراءات القضائية وإثبات البينة، وبحسب فاروق شمينا القانوني المعروف فإن مسألة إثبات البينة لديها قواعد وشروط خاصة، فإذا تقدم شخص بدعوى قضائىة فالبينة على من إدعى، فعليه ان يقدم البينة على الإدعاء إذا اتهم شخص بإساءته، كما ان البنية لديها شروط لقبولها وإثبات الإدعاء.
وزاد: أي شخص يحق له ان يتقدم بدعوى قضائىة إذا نشرت ضده أخبار كاذبة أو ألصقت له تهمة شوهت سمعته.
وقال: إن كانوا مجموعة أحزاب لنرى إذا كانت المحكمة تقبل الدعوى أم لا.
ولكن محمد أحمد سالم مسجل الأحزاب السابق واستاذ القانون وضع بعض الاشتراطات لممارسة العمل السياسي، وقال: المطلوب أولاً من جميع الأطراف سواء أحزاب المعارضة أو الحكومة الالتزام بقواعد الممارسة الديمقراطية، وأن مسألة الالتزام بالدستور ضرورية لكلا الطرفين، فالدستور يقيد الأطراف باستخدام الوسائل السلمية في السلطة والممارسة السياسية، واعتبر أن نفي المعارضة لأي إتجاه باستخدام العنف والتخريب وإحداث إضرار بالممتلكات العامة سلوك إيجابي، فالعمل السياسي بحسب قانون الأحزاب يجب ان يمارس بالوسائل السلمية ويمنع الدستور والقانون اللجوء للعنف أو التكتلات العسكرية.
وقال: طالما ان الاحزاب مسجلة فإنها تملك شخصيتها الإعتبارية، فإنها تقاضي وتُقاضى، وبالتالي فإن أي حزب تضرر من نشر معلومات غير صحيحة أو خبر أساء سمعته يمكن ان يلجأ للقضاء. ولكن الأدلة والبراهين هي التي تثبت خروج الحزب عن القانون أو عدم الالتزام بالدستور، فالمسألة تتعلق بإثبات البينات.
وزاد: القضية هنا تعتمد على المبررات القوية لإثبات الإتهام، واعتبر أن القضية المطروحة خطيرة لا تشبه تاريخنا السياسي الذي تميز بخلوه من الإغتيالات السياسية.. فليس لدينا رئىس دولة أو زعيم سياسي اغتيل بقرار من حزب أو جهة سياسية فإن صح هذا الإتهام فإن ذلك سيؤثر في سمعتنا الطيبة التي تميزنا بها عن الدول الأخرى التي يرتعد رؤساؤها خوفاً من الاغتيالات ولا يستطيعون مخاطبة جماهيرهم إلا من وراء جدر من أعلى أسوار العزيزية.
على كل فإن الأمر يحتاج لمعالجة حكيمة بحيث لا يؤثر على النسيج الاجتماعي والمشهد السياسي.

صحيفة الرأي العام

Exit mobile version