د.صابر محمد حسن .. نهاية حقبة طويلة

يحكى أن الشيخ ابوسن ناظر الشكرية عندما سألوه عن رأيه فى المفتش الانجليزى رد قائلاً : (كويس إلا طول)، هذا الطول فى تقلد المناصب دفع الدكتور صابر محمد حسن محافظ بنك السودان المركزى الى تبرير أسباب استقالته التى تقدم بها الى رئاسة الجمهورية بطول المدة التي قضاها في هذه الوظيفة التي وصفها بالشاقة والمؤثرة على الصحة والعلاقات الاسرية والاجتماعية، والتى بلغت (13) سنة متواصلة سبقتها (3) سنوات ليكون مجموعها (16) سنة.. هذه الحقبة الطويلة التى قضاها د.صابر فى منصب محافظ بنك السودان تتطلب جرد حساب لاداء هذا المحافظ طيلة تلك الفترة لمعرفة كسبه الحقيقي من ايجابيات وسلبيات والتحديات التى واجهها وكيف تعامل معها او تجاوزها، وماذا ترك من تحديات للمحافظ الجديد، وما مواصفات المحافظ الجديد لتقلد هذا المنصب.. هذه المحاور وغيرها كانت طاولة النقاش مع خبراء مهتمين بقضايا الاقتصاد والبنوك والذين جاءت افاداتهم جريئة وواضحة، منهم من انتقد اداء د.صابر كمحافظ ، ومنهم من وجد له العذر، ومنهم من ترك فى افاداته ما يقرأ بين السطور، ولكن مجمل القول حمل انتقادات لاذعة لاداء د. صابر كمحافظ حيث وصفه بعض الخبراء بانه كان منتهكاً للمؤسسية ومعتداً برأيه ويتخذ القرارات لوحده، بل يصدر قرارات تتعارض مع قرارات شرعية او احكام قضائية خاصة المحكمة الدستورية التى ايدت الحكم الصادر بشأن حقوق متقاعدي البنوك، ولكن رفض د.صابر تنفيذ هذا وقتها، وليصبح الآن أحد متقاعدى البنوك الذين ينتظرون حقوقهم، وتواصل انتقاد الخبراء لدكتور صابر لتصل درجة تحميله مسؤولية انهيار قيمة الجنيه السودانى، وضعف احتياطيات النقد الاجنبى بالبلاد وفشله فى بناء احتياطيات فى ظل تدفق عائدات النفط وارتفاع اسعاره عالمياً وتدخله الادارى فى تحديد اسعار الصرف وتعيين مديري البنوك ومجالس الادارات، وفشله فى ادارة ملف التعثر ليتفاقم التعثر المصرفي فى عهده ويصبح (الجوكية) هم من يسيطرون على اموال البنوك بل تمت اعادة تمويل بعضهم بموجب خطابات من بنك السودان، وبالمقابل دافع بعض الخبراء عن اداء د.صابر ببنك السودان، وقالوا انه منذ توليه المنصب قبل (13) سنة شرع فى تنفيذ برنامج اعاد هيكلة البنوك وزيادة رساميلها واستقطابه لاستثمارات جديدة بالبنوك بلغت نحو مليار دولار ،وخلق علاقات ودية مع المؤسسات المصرفية الدولية،ولكنه برأى هذا الفريق من الخبراء ترك العديد من التحديات للمحافظ الجديد فى مقدمتها قضية العملة بعد انفصال الجنوب والدولار المرتفع وتدنى العملة الوطنية وضعف الاحتياطيات النقدية.
ووصف د. سيد على زكى وزير المالية الاسبق حقبة د.صابرمحمد حسن كمحافظ لبنك السودان بأنها حقبة طويلة،وان طول هذه المدة زاد من اخطائه والتى لخصها د. سيد فى حديثه لـ(الرأي العام) فى عدم المؤسسية واتخاذه للقرارات لوحده، بل واتخاذه بعض القرارات التى تتعارض مع قرارات الشرعية، وضرب فى هذا الصدد مثلاً : برفض د.صابر تطبيق او تكسير قرار المحكمة الدستورية بشأن حقوق متقاعدي البنوك والذين حكمت لهم المحكمة الدستورية ولكن د.صابر لم يطبق القرار، فضلاً عن الاحادية اوالاحتكارية فى اتخاذ القرارات، كما تعرضت فى عهده البنوك لضغوط اقتصادية فبدلاً من تخفيفها فاقمها باجراءاته الادارية التى كبلت البنوك بالقرارات المكتوبة والشفاهية وتدخلاته فى تعيين المديرين العموم ومجالس ادارات البنوك واردف قائلاً : (الشخص عندما يطول فى المنصب كثير يعتبر ان هذه المؤسسة ملكه هو بالتالى يتفرعن، والآن نحن امام فرصة جديدة لمنع تكرار تجربة المكوث طويلاً فى المناصب والتقيد بالفترة المحددة لهذه المناصب).
وأشار د. سيد الى ان فترة د.صابرالطويلة هذه شهدت فترة طيبة واخرى صعبة حيث تتمثل الفترة الطيبة فى تدفق عائدات النفط فى السنوات الـ(10) الاخيرة ولكنه لم يحسن استخدام هذه الموارد والعائدات النفطية فى بناء احتياطيات نقدية،وانما فى شهر اغسطس الماضى انخفض الاحتياطى الى اقل من حد الخطر ليصبح يكفى الى اسبوعين فقط ليترك هذا المنصب الآن مخلفاً وراءه ازمة نقد اجنبى وارتفاع فى الدولار وانخفاض فى قيمة العملة المحلية بسبب التحكم الادارى فى سعرالصرف والحوافز التى طبقها على شراء وبيع النقد الاجنبى لتزيد من اسعارالصرف فى السوق وتابع : (هذه ليست حوافز، بل خداع للنفس، وتفاقم للازمة من انعدام للمؤسسية وتدهور للاقتصاد وتراجع للصادرات وزيادة فى اسعار الصرف).
وحول مواصفات المحافظ الجديد يرى د. سيد أن المحافظ الجديد ينبغى ان يكون من اصحاب الكفاءة والخبرة، وبعيداً عن العصبية والاثنية او الجهوية او الترضيات السياسية حتى يتعامل مع القضايا والتحديات الآنية بحزم والتى فى مقدمتها مراجعة العمل المؤسسي والهياكل بالبنك المركزى، ومخصصاتهم ومراجعة اسس التوظيف، ومراجعة قانون بنك السودان ومنح الصلاحيات والسلطات، واحداث تناغم بين وزارة المالية وبنك السودان فى مجال السياسات النقدية والتمويلية، واحلال الواردات بالصادرات، بجانب تعزيز العلاقات بين المؤسسات المالية والمصرفية الدولية خاصة صندوق النقد الدولى وبناء احتياطى من النقد الاجنبى لمواجهة مرحلة ما بعد الانفصال.
وعضد د.عثمان البدرى الاستاذ بمركز الدراسات الاقتصادية والانمائية بجامعة الخرطوم من الانتقادات لاداء د.صابر كمحافظ لبنك السودان، بل حمله مسؤولية تدهور قيمة الجنيه السودانى، والتناقص الكبيرفى الاحتياطى من النقد الاجنبى، وضعف الرقابة المصرفية على البنوك وتفاقم ظاهرة الجوكية والتعثر المصرفى، والتدهورفى سعر صرف الدولارالى جانب التحاويل الكبيرة من النقد الاجنبى لشركات الاتصالات وغيرها من الاستثمارات الاجنبية التى شكلت ضغطاً على النقد الاجنبى كان يستدعى مراجعة الاعفاءات والتسهيلات فى استرداد العائد على الاستثمار.
واضاف د.البدرى فى حديثه لـ(الرأي العام) التحديات الماثلة الآن تكمن فى ضرورة رفع الكفاءة فى ادارة الاقتصاد،وادارة المؤسسات الحكومية،وخفض العجز فى الميزانية، وتوسيع المظلة الضريبية وانهاء الاعفاءات الاستثمارية وتشجيع الاستثمار الانتاجى .
وحول مواصفات المحافظ الجديد يرى د. البدرى انه ينبغى ان يكون من اصحاب الكفاءات والخبرات، والشخصية القوية والحاسمة التى تقبل التحدى والتى تعلن مواقف واضحة لادارة الاقتصاد وتدافع عن هذه المواقف اذا اصطدمت بمواقف اوتوجهات اخرى حتى اذا اضطرت لترك المنصب، الى جانب اعلان برنامج واضح للنهوض باداء الاقتصاد خلال الفترة المقبلة عبر طرح حلول وليس تشخيصاً لحالة الاقتصاد فقط فالتشخيص متاح ولكن الحلول هى المطلوبة لتجاوزهذه الحالة الاقتصادية التى تتطلب تدخلاً سريعاً.
لكن د. محمد سر الختم الخبير المصرفى المعروف دافع عن حقبة د.صابر الطويلة التى قال انها كانت مليئة بالتحديات والصعاب ولا يتحمل اخطاءها شخص واحد هو محافظ بنك السودان بل يتحمل الخطأ جميع المسؤولين عن ادارة الاقتصاد، خاصة وان ادارة البنك المركزى تحافظ على النظام الاقتصادى ليكون هنالك توافق بين الوارد والصادر، وهذه المهمة فى الغالب مسؤولية خطيرة ولا يمكن لشخص واحد ان يتحكم فيها او يتحملها.
واضاف د. سرالختم فى حديثه لـ( الرأي العام) من اهم انجازات د.صابرتنفيذه لبرنامج اعادة هيكلة الجهاز المصرفى وهى سياسة ممتازة وزادت من رأس مال البنوك، الى جانب خلقه لعلاقات قوية وودية مع مؤسسات التمويل المصرفية، ولكن أخطاءه تأتى فى سياق أخطاء كلية تتحملها كل الادارة الاقتصادية بالبلاد من تدنى لاداء القطاعات الانتاجية الزراعية والصناعية وتراجع الصادرات غيرالبترولية واهدار موارد النقد الاجنبى من البترول، كما تحسب عليه بعض الاشياء التى تليه من زيادة معدلات التعثر المصرفى وتفاقم ظاهرة الجوكية الذين لم يأتوا من خارج البنوك وانما من مجالس ادارات البنوك.
واكد د. سرالختم ان د.صابرخرج من بنك السودان وترك العديد من التحديات للمحافظ الجديد فى مقدمتها قضية العملة بعد انفصال الجنوب والدولار المرتفع وتدنى العملة الوطنية وضعف الاحتياطيات النقدية.
واضاف : المطلوب من المحافظ الجديد لبنك السودان ان يتعرف على بنية الاقتصاد الوطنى ويدرس مكمن الخلل التى تؤثر على السيولة النقدية وان يكون من اصحاب الكفاءات والخبرات لضمان النجاح فى مهمته الجديدة.
يذكر ان د. صابر قد تقاعد عن منصب المحافظ وهو في الخامسة والستين من عمره، بعد ان شغل المنصب لست عشرة سنة على فترتين : الأولى استمرت من يوليو 1993 حتى ابريل 1996، والثانية من مارس 1998 وحتى مارس 2011 شهد خلالها القطاع المصرفي قفزات كبيرة تمثلت في برامج الاصلاح المصرفي والتحرير التدريجي في السياسات تمشياً مع الإطار العام لسياسات الدولة الرامية للتحرير الإقتصادي وإتاحة المزيد من الاستقلالية للبنك المركزي في تصميم ومتابعة تنفيذ سياساته، كما حدث تطور كبير في المؤشرات النقدية الإجمالية المستهدفة وفي آليات وأدوات السياسة النقدية وفي الأطر المؤسسية لإدارة السيولة وارتفع حجم التمويل المصرفي كماً ونوعاً بسبب الزيادة الكبيرة في الموارد القابلة للتمويل بالمصارف، اضافة الى العديد من الانجازات في مجال التقنية المصرفية التي شهدت خلال عهده طفرة كبيرة تمثلت في المقاصة الالكترونية والصرافات الآلية ونقاط البيع وتوجت بنظام التسويات الاجمالية الآنية الذي يوشك على الانطلاق خلال الفترة القادمة، كما تأسس خلال عهده مشروع التمويل الأصغر وما قام اثره من مؤسسات للتمويل الاصغرالتي تعمل على تخفيف حدة الفقر
وحدثت خلال عهد الدكتورصابرتحولات مهمة في الاقتصاد السوداني نتيجة لاتفاقية السلام الشامل التي أسست لنظام مصرفي مزدوج تقليدي واسلامي مما حتم على البنك المركزي مراعاة ذلك في اصدار وتنفيذ سياساته. كما شهدت تحويل العملة السودانية من الدينارالى الجنيه وما تبعها من اصلاحات نقدية تمت في سلاسة ويسر وكان البنك المركزي من اولى مؤسسات الدولة التي أوفت بمتطلبات اتفاق السلام الشامل.
وتشير (الرأي العام) الى ان د. صابر محمد حسن ولد بمدينة دنقلا في العام 1945 وتلقى دراسته في المرحلة الاولية بمدرسة اوربي الاولية بدنقلا ودرس المرحلة الوسطى في مدرسة القولد الوسطى والثانوية بمدرسة وادي سيدنا الثانوية.
التحق بجامعة الخرطوم كلية الاقتصاد في العام 1964 وتخرج فيها عام 1968بشهادة البكالريوس ليلتحق مباشرة بالبنك المركزي في ادارة مراقبة النقد الاجنبي حتى 1976
حاز الدكتور صابر على ماجستير الاقتصاد من جامعة سيراكيوز بنيويورك في العام 1978، ونال الدكتوراة في تمويل التجارة والتنمية من الجامعة نفسها في العام 1982، وعمل محاضرا بجامعة سيراكيوز وجامعة ام درمان الاسلامية ومعهد المصارف وجامعة الخرطوم، ثم مستشارا للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي بواشنطن منذ 1983 وحتى 1990، ومن ثم عمل محافظا لبنك السودان المركزي، فوزير دولة بوزارة المالية والاقتصاد، ثم مرة اخرى محافظا للبنك المركزي.

صحيفة الرأي العام

Exit mobile version