لكن المباراة الثانية للهلال كانت على وتيرة مختلفة وأمام فريق كبير زاخر بالنجوم المحترفين الذي إستطاعوا أن يرسموا لوحات جميلة أثناء سير المبارة .. لكن اللافت للنظرعندي أن الهلال إستطاع في هذه المبارة أن يكسر حاجز الإنكسار وأن يعود للمبارة في دقائقها العشر الأخيرة .
عاد الهلال للمبارة وهو يلعب بعشرة لاعبين بعد طرد اللاعب منير أمبده .. وبذا يكون الهلال قد أدخل على غير المعتاد في قاموس الممارسة الرياضية السودانية عبارة (( لا لليأس )) وهذه إحدى سمات الفرق الكبيرة التي تدرك أن الفاصل بين النصر والهزيمة بعض لويحظات تتغير فيها مجريات المباراة على نحو لم يكن في البال .
ولعل الجانب الأبرز الذي يحكم مثل هذه الظروف هو كيفية إعادة الإنتشار في الملعب مع النقص العددي ومقارعة الخصم من خلال الإحلال والإبدال في الملعب وإتباع حزمة تكتيكات خاصة لتحقيق التعادل ومن ثم تحقيق النصر .
لكن الأجمل في مبارة الهلال الأخيرة والتي قبلها هو ذلكم المعلق بقناة أبوظبي الرياضية الأولى الأخ (( سمير اليعقوبي )) الذي تعامل مع الحدث على نحو غير الذي كان يتوقع له .. فقد أشاد بالهلال وأعطاه قدرا وآفرا من جزالة الكلم .. رغم أن لنا على الرجل بعض مآخذ في المعلومات التاريخية الدقيقة .. لكن هذا ليس ذنب الرجل فلقد إستقى الرجل معلوماته من الإعلاميين المتواجدين حوله .
فقد ظل الرجل يردد عبارة (( سيد البلد – الكبير كبير – سيدها – النسيب يعطي النسيب )) وكثير من المفردات والألقاب والكلمات على نحو يفوق حتى وصوف السودانين والهلاليين .. خاصة وأن الفريق الذي لعب ضده الهلال هو فريق إماراتي وهو واحد منهم .. فلو مدح أولئك لما عابه أحد .. لكنه أعطى الهلال حقه على نحو طيب .. بل أحسن الترحيب بالهلال بإعتباره ضيف على الإمارات وهنا يجدر بنا ان نبعث رسالة تحية وتقدير للأخ سمير اليعقوبي على هذا الفيض الدفاق من المشاعر النبيلة .
صحيح أن هذه الدورة ودية والمشاركة فيها جزء من الإعداد العام .. لكن إنتصار الهلال بكل المعايير إنتصار للكرة السودانية وقد أعجبت أيما إعجاب بالجالية السودانية بكل اطيافها وهي تؤآزر الهلال وفي مقدمتها رابطة المريخ بالإمارات مما يعني أن الصورة كانت جميلة واللوحة أبهى .
حتى أنني سمعت الأخ سمير اليعقوبي وقد شارف على الإجهاش بالبكاء حينما رأى الصغار والكبار يهللون للهلال .. في مشهد لم تشهده ملاعب الإمارات مما حدا به لأن يقول بأعلى صوته : (( كان لابد للهلال أن ينتصر وهو يجد هذه المساندة الكبيرة من هذا الجمهور الوفي .. وليتنا نجد مثل هذا الجمهور في ملاعبنا .. وأنني جد سعيد أن أنال شرف التعلق على هذه المبارة الكبيرة )) إنتهى .
لقد ظل الجمهور السوداني دوما هو عماد نجاح الدورات التي تقام في الإمارات .. لذلك ظلت الأندية الإماراتية دوما تحرص على إشراك نادي سوداني أو أي فريق قومي من السودان لضمان حضور الجماهير التي تعطي الدورات نكهة خاصة .. حتى سمي الجمهور السوداني بــ(( فاكهة الدورات )) بل أصبحت الدورات التي لا يشارك فيها أي فريق سوداني محكوم عليها بالفشل الجماهيري .
وهكذا تكون الكرة السودانية قد كسبت سمعة فنية وأدبية .. فنية من خلال أداء الهلال الذي إستطاع أن يؤكد أنه فريق كبير والجمهور الذي أكد أنه يساند الكبير .. وكأن التاريخ يفتح صفحاته ليقول للأخوة الخليجيين هؤلاء يستمدون ريادتهم من التاريخ ..
التحية للهلال الذي رفع إسم السودان بالإمارات .. والتحية للمريخ الذي ظل دوما صنوا للهلال والتحية للجماهير السودانية التي تعرف دوما ما ينبغي منها .. والتحية لنادي بني ياس الذي أتاح لهم ولنا كل هذا .. والتحية أخيرا للشاب (( سمير اليعقوبي )) الذي تجرد من كل شيء وأعطى الهلال مايستحق ..
والتحية للظروف التي جعلتنا ندرك أن الفارق بين النصروالإنهزام خيط نفسي رقيق يجري في أعماق اللاعبين … فإن شددناه إنبرى وترا وإن رخيناه إرتخى نصبا .. وأصابنا وابل الياس والقنوظ .
وللبعض نقول : (( من لا يفرح لفوز فريق سوداني يلعب بإسم الوطن .. عليه أن يراجع رصيده من الوطنية ورصيده كذلك من الروح الرياضية السمحاء )) لأن الإنحياز للوطن هو إنحياز يتجاوز الألوان والشعارات الضيقة ..
نهنيء المريخ والأمل .. المريخ بتعادله والأمل بتجربته الأولى .. مع أمنياتنا لهما بنتائج إيجابية في مبارتي العودة بالخرطوم .
——————–
ملء السنابل تنحني بتواضع … والفارغات رؤوسهن شوامخ
——————–
صلاح محمد عبدالدائم شكوكو
shococo@hotmail.com