ـــ يمة تاني ما حأمشي الشغل..
ـــ سجمي يا بتي ليه؟!
ـــ مديرنا بقى يتحرش فيني..
ـــ يحرّشك في منو يا بت؟!
ـــ يتحرّش فيني يمة، يتحرّش، مش يحرّشني في زول..!
فركت الأم عينيها لتستوعب ما تقوله إبنتها حديثة العهد بالوظيفة التي (طارت عصافيرها)، فيما سحبت البنت بطانيتها المثقوبة وهي تبدو كأنها مصابة بداء الجدري وأمراض طفولة (الفقر) الستة التي تعانيها أسرتها من سنة (دو).
لم تفصح المسكينة عن (شكل) التحرش الذي تعرضت له من مديرها، ولا استطاعت أن تصف لأمها لونه أو طعمه أو حتى رائحته الكريهة، ولا الأم نفسها سألتها المزيد، إستدارت في ذهول صوب راكوبة المطبخ لتدبير شاي الصباح بنصف رطل من السكر لأحد عشر (فماً مفتوحاً)، معظمهم لازال يطبق جفون شفتيه في نوم عميق.
ـــ تعرف يا (أيمن) أختك قالت شنو؟!
ـ قالت شنو، بعدين مالا نايمة لغاية هسّع؟!
ـــ قالت المدير عمل معاها حاجات ما كويسة في الشغل، عشان كده قالت ما حتمشي تاني.
أطاح (أيمن) ما بقي في الكباية من شاي أحمر (يقطع القلب بي مساختو)، ونهض مذعوراً متجهاً حيث تتكور شقيقته في سرير (متهتكة أخلاق بلاستيكه) حتى تمطى ليلامس بحمولته الأرض. سحب منها (أيمن) البطانية في عنف وهو يصرخ:
ـــ قومي يا بت كدة عشان أورّيكي الليلة.
جاءت الأم مسرعة لتنقذ إبنتها من (كتلة أخوها)، لأن (مديراً ساقطاً) بذات مساء، سعى نحو حضن فقيرة ليطفئ فيه مرارة حقده القاسية على (البنات السمحات)، ولولا أن أمسكت الأم بإبنها لإنهال عليها و(أراق على جوانبها الدم).
تجرعت الأسرة الفقيرة كوباً ضخماً من سوائل الأسى ومُر الحصاد، شربوا منه جميعاً حتى أرتووا، ربما لأن (كُبّاية الإهانة) التي شربوها من (سعادة المدير) كانت كبيرة بحجم أمنياتهم في (البت الإشتغلت وجابت مصاريف) بعد طول سهر وحمى وأقساط جامعة و(حق مواصلات) وغرامة ناس النفايات وغرام (نور ومهند) ودمغة الجريح ورسوم العبور و(عبور) صندوق تبرعات حسُن الخاتمة للتمدد في المثوى الأخير دون دفع (رسوم عبور) للدار الآخرة..!
في ذمتك أيها المدير الوقح، كيف بعد كل هذا الشقاء، تلقي بقنبلة نزوتك الآثمة في وجه أحلام الفقراء الجميلين؟!
آخر الحكي – صحيفة حكايات
wagddi@hotmail.com