جنجويد في قلب القاهرة

فجأة بدا المشهد موغلا في الغرابة والسينمائية، بدا وكأنه نقلة كبرى تخترق زمننا الحالي وتذهب بعيدا لتصل بنا إلى القرون الوسطى، ربما كان ذلك أول انطباع لكل من شاهد الجمال والبغال والخيول تخف السير وتسرع الخطى بأخفافها وحوافرها نحو الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير في قلب القاهرة، يمتطيها أناس يحملون في أيديهم أسلحة بيضاء بينها سيوف وسكاكين وجنازير يهاجمون بها المعتصمين العزل في ميدان التحرير دون رحمة.

ما حدث في ذلك اليوم أعاد إلى الأذهان حكاية مليشيات الجنجويد في دارفور، تلك المليشيات المكونة من مجموعة من المقاتلين على ظهور الخيول والجمال والتي كانت تهاجم القرى في دارفور، تقتل الناس وتحرق بيوتهم البسيطة وتدمر محاصيلهم المتواضعة. هذه المليشيات التي تتهم الحكومة السودانية بتكوينها وتغذية شرايينها بالحياة، جاء اسمها ليدل على سوء أفعالها وجرائمها المشينة، فكلمة جنجويد تشير لدى أهالي دارفور الطيبين والمتضررين منها إلى عبارة “جِن على ظهور الجياد”.

معركة في اليونان القديمة


يعتقد كثيرون وخاصة من يقودون التظاهر، أن المهاجمين جماعات خارجة عن القانون يستعين بها رجال أعمال في الحزب الوطني لترهيب المتظاهرين، وصولا إلى إجهاض الانتفاضة

بدا مشهد جنجويد ميدان التحرير وكأنه معركة في اليونان القديمة حيث يلتحم المتحاربون وجها لوجه، بيد أن ما جرى في ميدان التحرير كان معركة لم يكن فيها أي وجه من وجوه التكافؤ بحسب العديد من المؤسسات الحقوقية التي انتقدت الحدث وطالبت بمحاسبة مرتكبيه. فالمهاجِمون (بكسر الجيم) كما أظهرتهم شاشات التلفزة كانوا مسلحين تسليحا كاملا، أما المهاجَمين (بفتح الجيم) فقد كانوا عزلا إلا من العزيمة والإصرار على مواصلة التظاهر حتى بلوغ الهدف وهو إحداث التغيير في مصر.

إنها مفارقة غريبة حين ترفع السيوف والسكاكين من راكبي الجمال والخيول في وجه من امتشق الكلمة سلاحا للحرب، يطلقها عبر الفيسبوك والتويتر وكل وسائط الإعلام الجديد، لا عبر دبابة أو سيارة مصفحة.

هذه الأفعال الجنجويدية لم تقتصر على ذلك اليوم الذي أسماه بعض المراقبين “غزوة ذات الجمال” لكنها استمرت منذ الأربعاء وحتى الجمعة وفي نفس الاتجاه، جماعات يعتقد كثيرون وخاصة من يقودون التظاهر، أنها خارجة عن القانون يستعين بها رجال أعمال في الحزب الوطني لترهيب المتظاهرين، وصولا إلى إجهاض الانتفاضة.

هي أفعال لقيت الشجب والإدانة من جهات عديدة، فالاتحاد الأوروبي على سبيل المثال شدد على ضرورة أن تستجيب السلطات المصرية لطموحات الشعب عن طريق الإصلاح، وليس القمع. وعلى المنوال ذاته نسجت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي أدانت ما حدث وعبرت عن أسفها لسقوط قتلى، وهو طريق سار فيه أيضا رئيس الوزراء البريطاني والأمين العام لحلف شمال الأطلسي.

تلك إذن هي الردود الغربية على ما حدث، ولكنها لم تخرج من النبرة المتكررة، تنديد بما حدث، أسف عميق وغير عميق، دون مطالبة متشددة بمحاكمة الجناة.

وهنا جهد عربي يستحق التنويه، 65 مؤسسة حقوقية عربية تطالب الجمعة السيدة نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بإيفاد فريق ليتقصى الحقائق عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر في الأيام الماضية، وصولا لتأمين الحق الدستوري في التظاهر، وحفاظا على السلامة الشخصية للمتظاهرين وعدم تعرضهم لأي انتهاكات، وفي النهاية منع وصول الجنجويد مرة أخرى إلى قلب مصر.

الجزيرة نت

Exit mobile version