وضع رئيس حركة تحرير السودان منّي أركو مناوي حدّاً لكل الإرهاصات التي صاحبت خبر عودته إلى الخرطوم، وقطع بأنه لن يعود إلى العاصمة مرةً أخرى، وكشف مناوي عن تيارات داخل المؤتمر الوطني لا تريد عودته، وأكّد أن وجوده في جوبا لا يشكّل أية عدائية لحكومة الخرطوم، فضلاً على وجود تفاهمات مشتركة بينه وحكومة الجنوب، مشيراً إلى أنه متى ما شعر بأن وجوده هناك سيؤثّر على العلاقة بين الشمال والجنوب، فإنه سيغادر جوبا فوراً، ولكن إلى دارفور حيث قواته. وتحدث مناوي بأسىً بالغ عن مصير البلاد وحالها بعد الانفصال، وتوقّع أن يشهد الشمال انهياراً كاملاً، وأن يُغري الانفصال بقية أجزاء البلاد بالمطالبة بحق تقرير مصيرها، ويفتح شهيتها لذلك.. ولم يرَ مناوي أن حركته خسرت شيئاً بخروجها من الحكومة ومن الخرطوم، مؤكّداً أنها قد كسبت بذلك الكثير.. «الصحافة» حاورت منّاوي من مقر إقامته في جوبا، حوارٌ بدأ بـ «الهاتف» وانتهى عبر الشبكة العنكبوتية، تحدث فيه بصراحة ووضوح، وتطرّق عبره للعديد من قضايا الراهن السياسي، وتحديداً قضية دارفور ومستقبلها، ومشاكل السلطة الانتقالية التي خَلَفَه فيها الشرتاي جعفر عبد الحكم، وغيرها من القضايا الخلافية بينه والوطني، والتي تبدت لنا من خلال هذا الحوار، فبُعد المسافة بينهما بما يماثل البعد بين المشرقين.
٭ أعلنتم عبر منابر إعلامية متعددة إمكانية عن عودتكم إلي الخرطوم قريباً.. ما هي فرصة العودة للسلام؟
ــ كان هناك أمل بأن نعود حسب الحوارات التي جرت بيننا وبعض قيادات حزب المؤتمر الوطني، لكن ظهرت نوايا أخرى خفية وشريرة داخل المؤتمر الوطني، أعلنوا بموجبها أنهم جاهزون لاعتقالنا إذا عُدنا إلى الخرطوم، وبذلك أظهروا نواياهم الحقيقية التي ظلَّوا يحكمون بها السودان منذ عشرين عاماً ونيفاً.
٭ هل ثمة جهود مبذولة أو اتصالات مع المؤتمر الوطني لرأب الصدع وتوفيق أوضاعكم مع الحكومة؟
ــ ذلك ما كان يجري في السابق، غير أن خلافات المؤتمر الوطني الداخلية أجهضت تلك الجهود.
٭ الآن تخوض الحركة معارك مفتوحة مع الجيش.. هل يعني ذلك ضرب اتفاق سلام دارفور الموقع بين الطرفين بعرض الحائط؟
ــ اتفاقية أبوجا ضُرِبت من قِبَل حزب المؤتمر الوطني بعد مضي أقل من عام من تاريخ توقيعها.
٭ أنت الآن القائد الوحيد لحركة مسلحة تخوض معارك مفتوحة مع الجيش من داخل السودان، ألن يتسبب ذلك في تكبد الحركة لخسائر بعد أن أضحت هدفا مفتوحا يسهل صيدها؟
ــ لست القائد الوحيد في ذلك الميدان، فهناك قادة ومحاربون كُثر في دارفور والنصر قادم، وليس مربوطاً بشخص بقدر ما هو ارتباط بالقضية والإرادة.
٭ وأين تجد الحركة نفسها الآن في خانة التمرد أم في خانة الحركة الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة؟
ــ حكومة المؤتمر الوطني أجبرتنا على ترك ما وقعناه.
٭ يعني ذلك انهيار اتفاقية أبوجا؟
ــ لقد انهارت أبوجا بانهيار دولة الشمال، والآن الأمر متروك للشعب السوداني لإعادة صياغة الجزء المتبقي من السودان من جديد.
٭ إذن الحركة تنكرت لاتفاق أبوجا بما في ذلك تركها للسلطة؟
ــ الحركة لم تلهث وراء السلطة في يوم من الأيام، بل قررت التوقيع على اتفاق سلام دارفور عندما قبل به المؤتمر الوطني، رغم اختلاف استراتيجيات كل طرف، وتركت الحركة الاتفاق حين تركه المؤتمر الوطني أيضاً، رغم اختلاف مفاهيم كل طرف لهذه الخطوة.
٭ نفيتم تسلم أي طلب من حكومة الجنوب بمغادرة جوبا، لكن ألا تتفق معي أن الحركة ربما تود الاحتفاظ بكم باعتباركم ورقة ضغط ضد المؤتمر الوطني حتى يتم الاتفاق حول القضايا الخلافية؟
ــ هذا غير صحيح، ونحن لن نكون كرت ضغط، ولم تكن حركتنا في يوم من الأيام عصفورة في يد أحد، وكل ما تقولينه مجرد تخمين وأوهام يبثها المؤتمر الوطني وأعداء التحرير العريض عندما يفشلون في تحقيق ما يريدون.
٭ لكن الحركة الشعبية سبق وخذلت أحزاب المعارضة في الشمال ــ أحزاب جوبا ــ في مواقف كثيرة.. ألا تخشون أن تفعل الشيء ذاته معكم، سيما ألا شاغل لها سوى إجراء الاستفتاء وضمان الاعتراف بنتائجه؟
ــ لا نحن لا نخشى من خذلان الحركة، كما أنه لم يكن لدينا مشروع موحد أو علاقة عضوية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان حتى تخذِلنا، والحركة الشعبية الآن منهمكة في صناعة الدولة الوليدة في جنوب السودان، بينما نحن منهمكون في إعادة ترميم الدولة المنهارة في شمال حدود 1/1/1956م، ونحن لا نقبل إساءة الظن بالحركة الشعبية لتحرير السودان، لأن مشاعرها ظلت دوماً مع المهمشين وستظل كذلك إلى الأبد.
٭ وماذا إن ساومت بكم الحركة الشعبية شريكها المؤتمر الوطني مقابل التزام الأخير بالاعتراف بنتائج الاستفتاء؟
ــ هذا ما لم يكُن ولن يكون، لأن المؤتمر الوطني مضغوط دولياً من العالم أجمع لأن يخلق مناخاً ملائماً لإجراء استفتاء حُرّ ونزيه كما جرى، فلا تحتاج الحركة الشعبية لمساومة المؤتمر الوطني بنا، كما أن للحركة الشعبية أخلاقاً وقيماً ومبادئ رسختها عبر عقود من الزمان تمنعها من مجرد التفكير في مثل هذه الأمور.
٭ في حال إعلان دولة الجنوب بعد أقل من ستة أشهر، ستجد الحركة نفسها تقاتل من داخل أراضي دولة أخرى، هل وضعتم ذلك في الحسبان أثناء خطة التقهقر جنوباً تلقاء جوبا؟
ــ أبداً، كما أنه ليس لدينا وجود عسكري في الجنوب، بالإضافة إلى أن ذهاب الجنوب سيفتح شهية الكثير من الولايات والأقاليم السودانية لتحقيق ذاتها وكرامتها وهويتها.
٭ ألا تخشون من المصير الذي واجهته حركة العدل والمساواة من دولة تشاد؟
ــ وجودنا في جوبا ليس وجوداً عدائياً أبداً مع المؤتمر الوطني حتى نخشى مصير حركة العدل، وإذا جاء الإحساس لدى المؤتمر الوطني بأن وجودي في جوبا سيؤثر سلباً على علاقاته مع الحركة الشعبية لتحرير السودان سأغادر إلى دارفور حيث توجد قواتنا وقواعدنا الشعبية.
٭ بعد الانشقاقات الأخيرة في صفوف الحركة وتمركز القيادة في جوبا، بينما بقية القوات في الميدان.. هل مازلتم بالقوة التي تمكنكم من تحقيق انتصارات على كافة الأصعدة.
ــ الحركة الآن أكثر جاهزية من أي وقت مضى من حيث الكم والكيف، لمواصلة كفاحها لتحقيق أهدافها وغاياتها لأجل صون كرامة الشعب السوداني وتحقيق تطلعاته نحو حياة أفضل، ونحن موجودون في السودان ولم نكن ثوار فنادق في يوم من الأيام. والحركة لم تفقد قواتها أبداً، بل الآن استردت بعض الذين ذهبوا لأسباب مختلفة.
٭ لكن الحركة تفقد في كل يوم عناصر جديدة من ضمن صفوفها.. فهل بمقدورها تحقيق تلك الغايات؟
ــ حركة جيش تحرير السودان بمواقفها الأخيرة اكتسبت قاعدة واسعة وعريضة من الصادقين، بعد سقوط «الغواصات» والعملاء.
٭ ما هي مطالب الحركة التي غادرتم من أجلها الخرطوم، خاصة أنكم وقعتم على اتفاق مع الحكومة لبى معظم مطالبكم؟
ــ الحركة تريد من الحكومة ما يريده منها شعب السودان أجمع، وأهل الهامش ودارفور خاصة.
٭ هل يعني ذلك مطالبتكم بتوقيع اتفاق جديد ببنود والتزامات جديدة؟
ــ إذا حدث أي جديد في إطار قضية دارفور، فيجب أن يكون كاملاً وشاملاً.
٭ ما هو تقييمكم لقرارات الفصل التي يصدرها في حقكم من كانوا بالأمس منسوبين للحركة؟
ــ هو مسلسل تطهير عرقي يمارسه حزب المؤتمر الوطني بواسطة جلادين أغبياء، ولا يوجد مبرر لما يمارسه جعفر عبد الحكم من فصل تعسفي في السلطة الانتقالية الإقليمية لدارفور على أساس عرقي مخالف للقانون.
٭ يتهمكم مفوض مفوضية الترتيبات الأمنية الفريق الدابي بعرقلة إنفاذ الترتيبات الأمنية، وأن الحركة تريد الاحتفاظ بقواتها بغية حراسة وظيفتكم داخل القصر؟
ــ اتهام المفوض للحركة غير مبرر ولا تسنده حُجة، لأنه ليس المسؤول عن ملفات الاتفاق، فهو مجرد موظف في السلطة الانتقالية لدارفور كان يعمل تحت إدارتي، أمّا موضوع عدم تنفيذ الاتفاق وخاصة بنوده الأساسية التي تعطي أهل دارفور حقوقهم فقد تم خرقها جميعاً من حكومة المؤتمر الوطني التي ينتمي لها المفوض، والترتيبات الأمنية ليست البند الوحيد الذي لم ينفذ من الاتفاق.
٭ قدم المبعوث الأمريكي سكوت غرايشن عرضاً لكم للذهاب إلى الدوحة.. ما طبيعة هذا العرض؟
ــ العرض لم يكن أكثر من ذلك ــ الذهاب لمنبر الدوحة – ونحن من جانبنا رفضنا الذهاب إلى الدوحة.
٭ هل ثمة تعاون متوقع مع حركة عبد الواحد محمد نور؟
ــ التعاون مع القائد عبد الواحد محمد نور أمرٌ ضروري، مثلما هو ضروري مع الآخرين أيضاً.
الصحافة
حاورته: مي علي