تلغراف: الجنوبيون يتوهمون أنهم سيعيشون في سويسرا

بينما ينطلق مسؤولو جنوب السودان بسياراتهم الجديدة اللامعة على الطرق المليئة بالحفر يلوح السكان لهم وهم يهللون في فرحة غامرة بالاستفتاء التاريخي على الانفصال الذي حاربوا من أجله لسنوات.
لكن ربما يلعن هؤلاء يوما ذلك الاستفتاء وما نجم عنه. وينظر الجنوبيون إلى هذا الاستفتاء على أنه الخطوة الأخيرة على طريق طويل مخضب بالدماء نحو التحرر من قمع الشمال حيث خاضوا حرباً منذ عام 1955م باستثناء سنوات قليلة. ويتوق أغلب الجنوبيين لليوم الذي يحكمون فيه أنفسهم بأنفسهم.
وفي حين يقف جنوبيون مبتهجون بصبر في انتظار الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء تحاول حكومة الجنوب، شبه المستقل، استغلال موجة من الدعم الشعبي للظهور بمظهر أبطال الدولة الجديدة.
لكن عندما تنحسر نشوة الاحتفالات بالاستقلال فإن ظروف الحياة في جوبا أو في أي مكان من هذا الإقليم، الذي مزقته سنوات الحرب، ستكون صعبة للغاية وستتحول الآمال العريضة لدى الجنوبيين في بناء دولة جديدة من الصفر إلى عبء يثقل كاهل الحكومة الجديدة.
ومن المتوقع أن يسفر الاستفتاء على استقلال جنوب السودان، الذي بدأ يوم الأحد ويستمر مدة أسبوع، عن تقسيم أكبر الدول الأفريقية مساحةً وميلاد دولة جديدة في القارة، ولكن آفاق السلام ليست أكيدة بأي حال من الأحوال.
ونقلت صحيفة (الديلي تلغراف) عن المتمرد السابق؛ وليام نيوك، وصفه الاستفتاء بأنه من بشائر الحرية وأنه يودع الوحدة ويودع معها الشمال، وأضاف: «كل حياتي التي أستطيع أن أتذكرها كنتُ أقاتل من أجل هذا، من أجل أن أعيش بسلام في دولة تكون دولتي أنا».
ولكن كثيرين يشكون في ما إذا كان جنوب السودان قادراً على البقاء بعد الاستقلال الذي من المرجح أن يُعلن نهائيا في يوليو. وقال أحد الموظفين في منظمات الإغاثة العديدة التي توافدت على جنوب السودان في تصريح لصحيفة (الديلي تلغراف): «إن الكثير من الجنوبيين يتوهمون أنهم سيفتحون أعينهم في اليوم التالي ليجدوا أنهم يعيشون في سويسرا». وأكد هذا الموظف أن الاستفتاء مرحلة أساسية «ولكنه أيضاً عملية وليس نهاية كل المشاكل التي يعاني منها الجنوب».
وقال الباحث المختص بالشؤون الأفريقية في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن؛ روجر مدلتون، إن أداء الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي قادت الحملة العسكرية والسياسية من أجل الاستقلال، لم يكن سيئاً كما كان يخشى الكثيرون ولكنه لم يكن جيداً كما كان يأمل الكثيرون. وتشير الخبرة التاريحية في القارة الأفريقية إلى أن المتمردين نادراً ما كانوا يتحولون إلى قادة سياسيين ناجحين.
توفرت للحركة موارد مالية تزيد على (4) مليارات جنيه استرليني من حقول النفط الجنوبية، فضلاً عن مئات الملايين من المساعدات الدولية. وأُنفق الكثير من هذه الإيرادات على رواتب الجيش الجنوبي الجديد وشراء الدبابات تحسُّباً لاندلاع حرب مع الشمال. وتقول جماعات معارضة إن قسماً كبيراً من هذه الأموال انتهى في جيوب مسؤولين في الحركة الشعبية لتحرير السودان سرعان ما تحولوا إلى نخبة فاسدة أخرى في أفريقيا.
ولكن ما أُنفق من موارد على التنمية اتبع نمطاً أفريقياً معهوداً؛ فإن مدينة جوبا، معقل الحركة الشعبية لتحرير السودان، شهدت انبثاق قصور من الاسمنت أُنشئت لقادة الحركة، أكبرها المقر الرسمي لزعيمها سلفا كير.
وتنقل صحيفة (ديلي تلغراف) عن مصادر في جوبا أن مساعدي كير انفقوا مئات الآلاف في رحلة تسوق إلى دبي لتزيين قصره بالثريات وبعرش خشبي لاستقبال شخصيات غربية بينها نجم هوليود جورج كلوني.

الأهرام اليوم

Exit mobile version