قالوا: أصبحت من مبطلات الوضوء.. الاغنيات الجديدة.. أزمة مفردات

الساحة الغنائية.. أصبحت تستقبل كل يوم (قنبلة) جديدة.. وفنان جديد.. وكلمات جديدة.. وأضحى من الصعب رفض تلك القنابل التي لها تراكيبها على ما يبدو ومفرداتها وكذلك اغراضها ولها فنانوها وجمهورها الذي يستمع لها.. فالاغنية الجديدة المتسيدة أو الحائزة على الاستماع هي عند البعض الاغنية الهابطة.. في هذه المساحة لا نريد التأكيد على الهبوط أو عدمه بقدر ما نريد الوقوف على مضامين الشعر، التي كأن بها سخرية من القوالب القديمة.. تقول الاغنية :
……
لو ما وريتك أنا.. لو ما عذبتك سنة.. أبقى ما أنا..
تهديد الحبيب مضمون جديد لم يكن قديماً موجود.. بل كان عكسه:
* نفرش ليك السكة ورود..
وأيضاً جاءت الاغنية، بوجوه أخرى للعلاقات العاطفية:
يلا أطلع من قلبي غير مطرود.. وبعد أن كان :
فتحت ليك قلبي
ومنها أيضاً:
ما راضي ما راضي الحب بقى كلام فاضي!!
مفردات جديدة، كأنما هي معالم ثورة على القصيدة الغنائية واصبح لهذا الشكل من الشعر قوالب لحنية وأداء جديد صاخب يميز غناء الشباب.. فهل هذا النوع من الشعر والكلمات الجديدة تعبر عن ثورة، أم ارهاصات لمرحلة جديدة؟ أم هي المستجدات في المجتمع ورؤى الشباب؟وأياً كان فعند العارفين الخبر اليقين!!
مسدسات وقنابل
? التراجع المريع والمزري الذي طرأ على المجتمع في جميع انشطته يراه الشاعر مختار دفع الله ظهر عبر مرآة الفنون التي تعكس كل شئ.. ويقول ان الفضائيات والاذاعات الخاصة المنفلتة أثرت في أظهار هكذا اغنيات، اضافة الى عدم الرقابة في مجال النصوص والتي كانت مشددة عندما كانت القناة واحدة.. اضافة الى انتفاء الرقابة الذاتية.. فالشاعر عندما يكتب يعرف ان ما يكتبه يصل للناس، لذلك لا بد أن يحمل القيم والمثل..وليس المسدسات والقنابل او راجل المرا.. وقال دفع الله ان الاعلى صوتاً هذه الايام هي النصوص المبتذلة ، والذي يقوم بكتابتها شعراء غير معروفين، كما أن هناك موجة مطربين جدد وجدوا ضالتهم في تلك الكلمات وفي المواعين الخاصة التي تقدمهم، وبيوت الاعراس والمركبات العامة.. وحكى مختار دفع الله انه في الطرقات سمع ما لا يمكننا حتى كتابته ويغنى عبر مكبرات الصوت موضحاً ان به اهانة للذوق العام.. وقال ان البعض منها أصبح من نواقض الوضوء، مشيراً الى ان المصنفات ينتظرها دور كبير في اصلاح الساحة من هذه النفايات!!
أخطر ساحر
ويعتبر الشاعر الياس ان من يتغنى بتلك الكلمات يريد ان يلفت الانظار اليه ويثبت انه جاء بجديد، رغم انها شخيطة واساءة للفن والشعر، وقال أنه لا يلوم من كتب بقدر ما يلوم من يستمع لانه – بحسب وصفه – ليس لديه مفاهيم.. أما الشعر عموماً فيراه الياس يمر بمرحلة «تعسم» لأنه أصبح على شاكلة: ياخارجة من جواي.. وأخرى يا داخلة في جواي، وعلق ضاحكاً زهجوها.. ويا قاعدة في بنية هواي.. رغم ان الشعر هو الكلام الذي تقوله الحبوبة والطالب الجامعي والكمساري ويتم تهذيبه ويطلع غناء.. مشيراً الى ان غناء الحقيبة عاش لانه كان بذات التركيبة البسيطة.. وقال ان ما يحدث في الفن هو أخطر ما تمر به البلاد فكل المشكلات لها حل إلاَّ سرطان الشعر والبعالجو شنو؟
وأضاف دي بلوى!! يجب ان تناقش على أعلى المستويات لان الاغنية ليست تطريباً فحسب، فهي أخطر ساحر، وما تقوم به الاغنية الصغيرة لا تفعله خمسة أو ستة كتب.. مشيراً الى أن الغناء الجديد، غناء (خارج عن القانون) لم يمر على لجان ولم يعرف طريق المصنفات بذلك تصبح المسئولية مسئولية المجتمع تساعده الدولة على القضاء على الأدب الرخيص والمنتشر موضحاً انه بعد شهر مارس سوف تكون هناك ضوابط جديدة.. وكل من يغني لا بد أن يكون لديه كارت ولا بد أن يعرف بانتاجه خصوصاً وان الشرطة ستكون متجولة للسيطرة على الأمر..
ترسخ سالب
الاغنية يمكن ان تبنى ويمكن أن تدمر.. وما يحدث يعتبر انحرافاً في مسيرة الاغنية.. هكذا بدأ الشاعر محمد يوسف موسى.. رئيس اتحاد شعراء الاغنية.. في تعليقه على الامر.. وقال ان الاغنية كانت تحث على القيم والعزة والاحترام ولا تخدش حياء ولا تسئ للذوق العام.. أما ما يحدث الآن فهو انحطاط لمستوى فهم الذين يكتبون هذا النوع من (الكلام)، وحمل يوسف الاعلام مسئولية انتشار تلك الاغنيات لأنه حسب – وصفه- أصبح يرسخ للسلبيات وبذلك يمحو صورة الغناء الجميل الذي اعتاد عليه الناس اضافة الى المسئولية التي تقع على المجتمع والدولة في رفض هذا الغناء ومحاربته.. مشدداً على أن المنع هو الوسيلة الوحيدة لوأد هذا الغناء لانه يسئ الى تاريخ الاغنية وقيم المجتمع السوداني وكل تاريخه .. أما من يكتب فبحسب رأي محمد يوسف موسى هم قلة ظهروا في غفلة.. ويفترض ان يقفلوا عليهم بالضبة والمفتاح.. وقال ان الاغنيات وشعرائها نبت شيطاني وكان سيسعد لو شكلوا اضافة إلا أن وجودهم غير مطمئن معهم للاغنية ولا لمسيرتها ولا لتاريخها!!
كمون ونشاط
الناقد مجذوب عبدروس قال أن طبيعة العنف في المجتمع وفي العالم والحروب والازمات والخواء الروحي الذي يعيشه الشباب جعلهم يتعاملون مع المحبوب بقسوة، كما انهم ضحية مجتمع حصل لهم نوع من قطع الجذور بينهم وبين الفترات السابقة.. واصبحوا متواصلين مع العالم ورغم الوسائط الحديثة المتاحة لهم، إلاّ انهم بحسب رأي عبدروس لم يستطيعوا الاستفادة من التراث كما حمل مسئولية ما يحدث الى اجهزة الاعلام.. وعن مدى ثورية الامر قال عنه: أن الثورة تنتهج قواعد.. أما ما يحدث فهو يتم بغير وعي لأن هؤلاء الشعراء لم يقرأوا التراث بمنهجية..
د. عبدالله حمدنا الباحث في تاريخ الغناء.. قال: الظاهر ان الناس متمسكين بالاغنية القديمة.. من خلال البرامج (اغاني واغاني) ،(نجوم الغد) وحتى حفلات الاستقلال.. إلاَّ ان التمسك بالقديم بقوة لابد ان يؤدي الى قيام تيار مغالٍ في المضامين الجديدة.. وما يحدث هو رفض مباشر من الشباب للاغاني المتمسك بها.. وقال حمدنا الله ان الاغنيات الجديدة تظهر على شكل موضات وليس لها جذور كما أنها لا تستمر لفترة طويلة، وتساءل عن أغنية (عوض دكام) التي اخذت رواجاً وشغلت الناس حيناً.. وكذلك اغنية (الجلابية) موضحاً انها موضات لانها رفضت جذورها بالتالي اصبحت تمتاز بالسطحية وبعدم التعبير الصادق عن العواطف الحقيقية وهذا ما يكتب لها عدم الاستمرارية..
وأكد حمدنا الله انه مع التيار الرافض للقديم ورافض لمد العمر الافتراضي لحقيبة الفن لكنه مع ما بعدها والتي لم تتجاوز ما قبلها من جذور الاغنية فبالتالي أية أغنية جديدة لابد ان تراعي الجذور وبذلك أرفض للاغنية ان تنساق وراء الموضات.. وقال أية اغنية مصادمة للمشاعر الحقيقية وتصادر الحق هي ضد الطبيعة ولن تعيش طويلاً.. وقال انه حاول معرفة الوقت الذي تظهر فيه اغنيات الموضة لان لها وقت كمون ووقت للنشاط.. مشيراً الى انها تظهر عند غياب المثل الاعلى في الحياة والفن.. وعند غياب الحرية وفقدان الشعور الناشئ عن الحرية الشخصية وظهور الطبقة التي تملك الثروة بصورة غير مفهومة!!
د. الرشيد البيلي استاذ علم الاجتماع بجامعة النيلين أيد ما ذهب اليه د. حمدنا الله .. مضيفاً ان الانفتاح في الوسائط جعل المجتمع مقلداً لأسوأ ما عند الآخرين رغم ان الشباب في كل العالم لم يبتعدوا كثيراً عن تاريخهم.. وهذا الانفتاح جعل الشباب أكثر انفتاحاً وانحرافاً في الجانب الفني على وجه الخصوص وظهرت العبارات غير المستساغة وهذا يرجعه البيلي الى فقر المنتديات التي لم تستطع استيعاب الشباب، اضافة الى حساسية المرحلة التي يعيشون فيها والتي تتطلب من أجل المواكبة بناء اشيائهم على طريقة الآخرين، وتقوي هذا التيار بحسب رأي البيلي بعد أن فقدت الأسر سيطرتها على الشباب الذين امتهنوا المجارة لازالة الفوارق الطبقية.

تحقيق: ماجدة
الراي العام

Exit mobile version