الديمقراطية والقبيلة في مواجهة ساخنة بجوبا

[ALIGN=JUSTIFY]بمثل ما تذكر باقان أموم في تقريره الذي قدمه للمؤتمر العام للحركة الشعبية المنعقد هذه الأيام في جوبا يتذكر ضباط الحركة الشعبية ومنتسبوها الآن في جوبا أيامهم العصيبة التي قضوها على نحو قاسٍ في الغابة, ركز باقان كثيرا في عرضه أمام المؤتمر على المحاربين القدامى في الجيش الشعبي وبالمعوقين أثناء الحرب, هذا الحديث وجد استحسانا حتى أنني تحدثت مع عدد من أعضاء المؤتمر بعد كلمته مباشرة فقالوا (كان واضحا ومؤثرا وربما سيعيده هذا الحديث أمينا عاما مرة أخرى, لكن هذه الذكريات التي تخرج من نطاق الهمس للمجاهرة لم تمنع مطلقا تكتلات ومخاوف من انشقاق ثانٍ في حركتهم وهم يحاولون بكل السبل منع ذلك, في ذاكرتهم الرجل الذي يجلس يمين الرئيس باستمرار رياك مشار فهو مرة أخرى يعود إلى طموحه بأن يجلس في المنتصف كرئيس للحركة الشعبية ولكن هذه المرة يدرك هو ومؤيدوه أن أدوات اللعبة مختلفة هذه المرة إذ يصعب على الأقل تصور انشقاق داخل الحركة أو حسم الخلافات بالبندقية كما كان في الماضي, فذات المقاتلين تخلوا عن زيهم العسكري ولبسوا بدلات أنيقة ويديرون دولة أو إقليما يفوق مساحة دولة كينيا جارتهم الجنوبية الشرقية، ومن الصعوبة بمكان التخلي عن كل هذا لمجرد خلاف في من يقود الحركة. على هذا الأساس يجيء مؤتمر الحركة الشعبية الثاني مثقلا بهموم وعلاقات معقدة تبدأ من تعقيد التكوين الاجتماعي لجنوب السودان وتنتهي عند مرارات صغيرة منذ أيام الحرب بين قيادات حتى داخل القبيلة الواحدة فحينما كان الجميع ينظر إلى ما يحدث في ولاية أعالي النيل أثناء الانتخابات التحضيرية والمنافسة الشرسة بين مجموعة الدكتور لام أكول ومجموعة باقان أموم ربما ظنوا للحظة أن الرجلين من قبيلتين مختلفتين وحينما يكتشفون أنهما ينحدران من قبيلة الشلك يكون الأمر عصيا على الفهم خصوصا وان ما جري من أحداث بعد ذلك وظهور مؤشرات قوية لخسارة الشلك لمنصب الأمين العام لصالح قادم من قبيلة النوير وان كثيرين من الشلك الآن يتحدثون عن أن باقان اموم هو المسؤول عن هذه الخسارة وان عليه تعويضها الآن بمنازلة تعبان في قائمة رياك مشار في الترشح مرة أخرى لمنصب الأمين العام عدد من مثقفي قبيلة الشلك الذين تحدثت معهم يريدون أن ينافسوا بقوة لمنصب الأمين العام، ويقولون إن السبيل الوحيد لذلك هو التحالف مع رياك مشار المنحدر من قبيلة النوير لمنصب رئيس الحركة في حال تأكد أن هناك نائبا واحدا للرئيس من الاستوائيين في الغالب وهو جيمس واني ايقا, لكن بمقابل هذه الرؤية هناك وجهات نظر أخرى مراقبين من داخل المؤتمر بمعنى أنهم غير منخرطين في هذا الصراع بشكل فاعل يرون أن باقان لا يمكن أن يقدم على خطوة الحالف مع مشار لتكوين قائمة انتخابية منافسة للرئيس ففضلا عن مؤشرات خسارتها المؤكدة لن يجد باقان اموم نفسه سعيدا بهذا التحالف لأسباب عدة أهمها انه سيكون تحالفا انتهازيا بنظر الكثيرين إذ لا يعرف أن بين الرجلين ودا كافيا ليتحالفا مع بعضهما والسبب الآخر أن باقان لم ييأس بعد من حدوث مستجدات تعيده إلى الأمانة العامة مرة أخرى خصوصا وان تقريره الذي قدمه دعمه بكثير من الشواهد التي تبقيه محارب محترم في نظر الكثيرين وإضافة إلى كياسته وذكائه وحضوره السياسي الرائع يتمتع باقان بميزة انه شكل نجومية سياسية نادرة في المرحلة الماضية بيد أن ما الرئيس الآن لا يريد نجما سياسيا يجيد الحديث وحسب انه بحسب أحد مؤيدي الرئيس ومقترحاته داخل المؤتمر (أن الرئيس يريد رجلا يستمع إليه وينفذ توجيهاته وله قدرات تنظيمية أكثر من سياسية) لكن ربما ليست الصدفة هي التي دفعته إلى اختيار تعبان دينق الرجل الذي قضى معظم سنوات عمله في مجال الاستخبارات فقد كان مسؤولا عن استخبارات الجيش الشعبي وعمل في هذا المجال وقتا طويلا وعندما عاد إلى الحركة بعد انقسامه مع رياك مشار أُعيد في منصب اقتصادي رفيع بالحركة إذ كان مسؤولا عن التجارة في السودان الجديد وبعد اتفاقية السلام عمل واليا لولاية الوحدة وهي ولاية ثرية ولها 2%من عائدات النفط، ووجد أداؤه في الولاية تأييدا كما وجد معارضة شرسة حتى ان معارضته التي يشرف عليها رياك مشار وصلت إلى الحد بالتصريح أنها ستقيله بالقوة إذا لم تقِله رئاسة الحركة لكن ما حسم أمر بقائه في الولاية هو تأييد الرئيس المعلن له، ففي كثير من الاجتماعات عبر عن إعجابه بأداء تعبان في الولاية, أحد المقربين من تعبان دينق أخبرني أن الرئيس دائما ما يشيد به أولا لأدائه وثانيا لتنفيذ تعليمات الرئيس باستمرار, لكن المعارضين لتعبان في الولاية يتهمونه بالمحسوبية وتعيين أبناء أهله في المناصب الرفيعة بالولاية كما يتهمونه بتبديد ثروات الولاية في أجندة أخرى يطلبها منه الرئيس, على هذا الأساس يريده الرئيس قريبا منه في المنصب التنفيذي الأول بالحركة وعلمت الأحداث من مصادر مسؤولة داخل الحركة أن تجهيزات جرت في الخفاء لخلف تعبان في ولاية الوحدة وهو ضابط في الجيش مؤيد بشدة لتعبان وهو من رشحه لرئيس حكومة الجنوب، وغالبا ما يتم تعيينه قريبا في حال فوز تعبان بالأمانة العامة للحركة لكن هذا التحضير ينقل لنا مشهدا معقدا في الضفة الأخرى أقصد في معسكر رياك مشار ففي الوقت الذي يجري فيه هذا التحضير لإيصال تعبان لمنصب الأمانة العامة هناك تحضير آخر مهم وهو الترتيب الذي يكمل الخطة حيث دفعت مجموعة من أعضاء المجلس الانتقالي بمقترحات تعديل هيكلة الحركة الشعبية وبمقتضى تلك الاقتراحات سيجري انتخاب نائب واحد للرئيس ويتقلص المكتب السياسي للحركة بحيث تكون عضويته فقط 27 عضوا وكذلك تخفيض أعضاء المجلس التحرير الوطني, وهناك أصلا نسبة يتم تعيينها الرئيس كفلها له دستور الحركة الذي أجيز للتو, ومع أن الحكمة من هذا التشريع أن تضاف كوادر نوعية من الحركة لقيادة مجلس التحرير الوطني لكن هناك هواجس الآن في أن يتم استغلال هذه النسبة المكفولة للرئيس في تعيين قيادات بعيدة من معسكر رياك مشار وهو ما دفع مؤيديه للدخول في المنافسة بيد أن المسألة الأكثر غرابة أن يجري هذا الصراع بذات الأدوات الديمقراطية، فأمس تسلمتُ نيابة عن الأحداث مذكرة من أعضاء ولاية واراب وهي ولاية غالبية سكانها من الدينكا تتحدث المذكرة عن المطالبة بتعديل الدستور وان يشمل ثلاثة نواب للرئيس كما كان الوضع قديما وعلمت من أحد مؤيدي مشار أنهم أجروا اتصالات واسعة بالوفود وحاولوا استقطابها لدعم مقترحهم ملوحين أحيانا بأنه في حال اعتماد نائب واحد للرئيس من قبل مؤيديه فإن خيارهم الثاني بالضرورة هو منافسة الرئيس في قائمة مختلفة, منافسة سلفاكير في منصبه تبدو مضحكة لمؤيديه فكلما تحدثت مع شخص عن احتمالية فوز مشار في حال ترشحه لمنصب الرئيس ضحكوا وأبدوا سخريتهم من هذا التفكير الأخرق، ويقولون بكلمات محددة (إذن سيخسر وربما يخسر كل شيء فالأفضل له أن يكتفي بمنصب نائب رئيس الحكومة) في البداية بدا لي هذا الحديث في غير محله، وأنهم يستهينون بقدرات الرجل، فهو صاحب قدرات حقيقية ولها نفوذ ويمكن أن ينافس, وأخبرني مؤيد لمشار (لدينا تأييد كبير وسيعرفون ذلك حينما تحين ساعة المنافسة) أثار استغرابي أن مؤيدين نشطين يعملون مع مشار وهم من قبائل غير النوير, إذن ربما هم محقون, في اللحظة التي تسلمت فيها نسخة من مذكرة من مندوبي واراب كان أصلا المؤتمر قد علق جلساته لمدة ساعتين لمزيد من التشاور حول اللائحة في مجلس التحرير الوطني, إذ كان عليهم أن يتوصلوا إلى وفاق قبل طرح الموضوع المتعلق بنائب واحد أو ثلاثة نواب داخل المؤتمر. الكثيرون داخل المؤتمر مستعدون لمواجهات حول المقترحين وهم مازالوا ينتظرون اللائحة أيا كانت محتوياتها لمناقشتها وقد شهدت مناقشات كثيرة خارج قاعة المؤتمر، الجميع منخرط في هذه المناقشات وعلنا أما الصحفيين والمراقبين وأحيانا يمكنك التسلل إلى مكان قريب من القاعة والاستماع إلى مناقشات بجوارها, كان مفترض أن يأخذ مجلس التحرير ساعتين فقط لحسم الموضوع والعودة إلى المؤتمر بتصورهم النهائي, لكن بالطبع أخذوا أكثر من ساعتين وأُلغيت الجلسة المسائية، وفي المساء بعد وقت متأخر من الليل خرج مجلس التحرير باقتراح ثلاثة نواب للرئيس ومن المفترض أن يطرح هذا الأمر داخل المؤتمر أمس مساءً.

تقرير: الأحداث:عارف الصاوي[/ALIGN]

Exit mobile version