يعد الرئيس السنغالي عبد الله واد أحد القادة الأفارقة القلائل الذين لا يزالون يحنون لتاريخ (الزنوجة) وما يمت إليها بصلة، فهو لا يفوت أي فرصة تتاح له ليؤكد من خلالها على ضرورة بعث الروح في النهضة الزنجية، والاعتناء بكل روافدها ورموزها.
وجه الغرابة في الموضوع هو أن الرئيس عبد الله واد عرف بكونه معارضا سياسيا شرسا للرئيس السنغالي الراحل ليبولد سدار سينغور الذي يعد أحد أبرز وجوه تيار الزنوجة ومنظريه في غرب أفريقيا.
ومفهوم الزنوجة يشير إلى الوعي بقضية الزنوج في أبعادها السياسية والثقافية والفكرية، وقد ترافق امتداد تيارها مع الإرهاصات الأولى للاستقلال في أفريقيا، وتعبير الزنوجة اشتقه الشاعر المارتينيكي إيمي سيزار خلال فترة الثلاثينيات.
رمز أفريقي
ويرى الموظف في الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان دنيس كوميس أن التوجه الزنجي والأفريقي لدى الرئيس واد ليس نابعا من فراغ، فالرئيس أثناء مسيرته الطلابية والشبابية كان من نشطاء الحركة الشبابية الأفريقية المناهضة للاستعمار، والداعية لخصوصية ثقافية أفريقية، كما تأثر في تلك الفترة بكبار مفكري تيار الزنوجة ودعاة الوحدة الأفريقية، حسب تعبير كوميس.
ويضيف كوميس في تصريح للجزيرة نت “السلطة أتاحت لواد فرصة تحقيق بعض أحلامه النهضوية القديمة لأفريقيا، فقد كان الرئيس واد أحد أبرز القادة الأفارقة الذين ساهموا في وضع برنامج الشراكة الجديدة في أفريقيا المعروف بنيباد سنة 2001”.
ويسترسل كوميس في تعداد ما يرى أنها مآثر الرئيس واد في سبيل قضية الزنوجة، فيذكر بناء تمثال النهضة الأفريقية العام الماضي، والذي “يشكل مفخرة أفريقية ستعيد الروح في الاهتمام بالثقافات الأفريقية”.
ويذكر كوميس بالموقف “المشرف” للرئيس السنغالي مع الشعب الهايتي أثناء محنته الأخيرة في الزلزال، إذ يرى كوميس أن السنغال كان “البلد الوحيد الذي جند كل قواه من أجل تقديم الدعم للشعب الهايتي، وأن الرئيس واد هو الزعيم الأفريقي الوحيد الذي فتح بلاده أمام الهايتيين بعرض جزء من الحوزة الترابية للسنغال للهايتيين الراغبين في العودة إلى جذورهم وقدم منحا دراسية للعديد من الطلاب الهايتيين”.
تمثال النهضة الأفريقية (الجزيرة نت)
هروب إلي الأمام
ويختم كوميس بالقول إن تعيين وزير جديد مكلف بالشتات (ذوي الأصول الأفريقية خارج القارة) هي بادرة يريد واد من خلالها وضع إطار رسمي يسمح له بالتعرف أكثر على مشاكل الشتات وإيجاد حلول لها قدر الإمكان، كما أن هذا الإطار سيمكن الشتات من جهة أخرى من التعرف أكثر على أصولهم الأفريقية في الجزء الغربي من القارة السمراء.
غير أن الصحفي السنغالي المتخصص في الشؤون الدولية الشيخ ساديبو لا يتفق مع كوميس في كل ما ذكر، فقد قال ساديبو في اتصال مع الجزيرة نت إن “كل ما يقوم به واد بخصوص موضوع الزنوجة، هو من أجل المزايدة السياسية والاستهلاك الإعلامي الخارجي”.
كما يعتبر أن “الرئيس واد الذي أخفق في تحقيق تطلعات شعبه أصبح يراهن على قضية الزنوجة لكسب تعاطف الشعوب الأفريقية والشتات”، ويرى الصحفي السنغالي أن الأموال الكثيرة التي صرفت في تمثال النهضة الأفريقية وتنظيم النسخة الثانية من مهرجان الفنون الزنجية كان من الأولى صرفها لتحسين ظروف السنغاليين السيئة، حسب تعبيره.
الجزيرة نت