[ALIGN=CENTER]ارفع رأسك و قرر مصيرك [/ALIGN]
كلامات مثل (يوم تاريخي) و (لحظات تاريخية) أصبحت لا تعقد حاجب الدهشة لكثرة تواترها، و ابتذال استخدامها من خلال الأجهزة الإعلامية خاصة تلك (المطبلاتية)؛ لدرجة أننا أصبحنا نبحث عن يوم غير تاريخي لكي نستبطن أمره، فالأصل أصبح عندنا التاريخي و الاستثناء أصبح هو العادي.. و لكن رغم أنف الرمية أعلاه إلا أنني اعتقد أنّ العلاقة بين شمال السودان وجنوبه تمر الآن بمحطة تاريخية، و إن شئت الدقة فقل تمر بلحظات فاصلة.. فقد خرجت العلاقة من مرحلة تاريخية ظللتها الكثير من الأحداث، و سوف تدخل مرحلة جديدة، الله و حده يعلم كيف ستكون بالتحديد؟ و كيف ستكون أحداثها؟ فالمرحلة الحالية مرحلة انتقالية، و إن شئت لغة الرياضة فقل فاصلة.. وهذه على وزن مباراة مصر و الجزائر في الخرطوم، التي سُميت بالفاصلة؛ لأنّها فصلت بين مباراتين في الجزائر و في القاهرة. منذ استقلال السودان ظلّت العلاقة بين الشمال و الجنوب متأرجحة بين السلم و الحرب، و بين الاتفاق و الاختلاف.. تحكمها مطالب الجنوبيين بنوع من الحكم الذاتي أو الفيدرالية، و أخيراً الكونفيدرالية و تمنّع الشمال خوفاً من الانفصال، و هناك تداخل في المواقف بين الشماليين و الجنوبيين، و لكن الخط العام كان طابعه التمايز، أحياناً ينجح الجنوب في الإقناع برؤاه، و الغالب ينجح الشمال في فرض رؤيته.. استمر الشدّ والجذب بين الطرفين إلى أن وصل مرحلة تقرير المصير. في الثلاثين من ديسمبر المنصرم أقرّ البرلمان السوداني قانون تقرير المصير؛ و الذي أقرّته اتفاقية السلام الشاملة، و أصبح في صلب الدستور الانتقالي. شكل القانون و محتوياته و طريقة إقراره التي يعلمها الكل جعلت مسألة تقرير المصير في يد الحركة الشعبية التي تحكم الجنوب بموجب الدستور و الأمر الواقع، فالقانون جاء كما أرادته الحركة تماماً، و هي التي سوف تشرف على التسجيل للاستفتاء، و هي التي سوف تنفذه؛ و بالتالي ستكون هي المتحكّمة فيه، و على توجهاتها سوف تتوقف نتيجته.. إذن يا جماعة الخير أصبح جنوب السودان ممثلاً في الحركة الشعبية يمتلك مصيره بالكامل و دون أدنى تدخل من أي جهة شمالية، فالجنوب هو الذي سوف يحدد مستقبله استقلالاً أو بقاءً في السودان أو حتى انضماماً ليوغندا أو كينيا إذا أراد وارداً، و لن نجفو الحقيقة إذا قلنا أنّ هذه أول مرة في تاريخ الجنوب يمتلك فيها قراره، و أتى هذا استكمالاً لحكم الجنوب لنفسه بنفسه بعد نيفاشا. وفي تقديري أنّ هذا الذي كان من أجله (يناضل) الجنوبيون، و بهذا يكون هاجساً نفسياً مهما و هو سيطرة الشمال على قرار الجنوب قد انزاح من صدور الجنوبيين. نظرياً إننا الآن أمام واقع نفسي جديد فيما يتعلق بعلاقة الشمال بالجنوب، فالجنوبي امتلك قراره وأبعد عنه الشمالي، والشمالي الآن متفرج ليس إلا. عليه مع هذا الوضع النفسي الجديد أو (النفسيات الجديدة) دعونا ندعو إخوتنا الجنوبيين لاتخاذ مواقف جديدة؛ كأن يعيدوا النظر في علاقتهم بالشمال بعيداً عن الأفكار التي نبعت أيام الهيمنة الشمالية (المفترضة).. فلكل مرحلة أفكارها و لكل نفسيات طرائق تفكيرها. ينبغي أن نُبصّر الجميع بفاصلية هذه اللحظة.. ينبغي أن يعلم الجنوبيون أنّهم الآن أصحاب القرار في علاقتهم بالشمال، و ليس للشماليين أي دور في هذا الأمر، فالآن الجنوبيون في لحظات حرية ناضلوا من أجلها كثيراً (على حسب رأيهم)، و بالتالي لابد من اتخاذ قرارات تتناسب و هذا القدر من الحرية، فالهواء الطلق يبعث على الأفكار الطليقة.
صحيفة التيار – حاطب ليل11 /1/2010
aalbony@yahoo.com