وعلى كثرة عمل هذه اللجان وتكثيف اجتماعاها ما بين الخرطوم والقاهرة وأخيراً الآن في الأسكندرية غير ان كثيراً من القضايا لم تحسم ويبقى (الوضع على ما هو عليه) نرحل من اجتماع إلى آخر.
كثيرون يعتقدون ان تقدم وتأخر حسم أي من المسائل الاقتصادية بين البلدين يقرب ويبعد حسب المزاج السياسي بين القيادات الرسمية في كل من السودان ومصر، وهو التفسير الأكثر شيوعاً لظاهرة تعليق الأمور التي جرى حولها نقاش ومذكرات تفاهم.. فقضايا الحريات الأربع رغم (اللت والعجن) تظل أكبر معوقات انسياب العلاقات بين مواطني الدولتين.. والمسألة هنا أكبر من مجرد مذكرات تفاهم في تتعلق بتعديلات جوهرية في القوانين خاصة قوانين الأراضي والتملك.
حل القضايا العالقة تظل ليست مجرد أمنيات في ملفات ومحاضر اجتماعات رسمية توضع على دواليب وأرفف مكاتب حكومية مع انتهاء مراسم وداع المسؤولين في المطارات بل يجب ان تنطلق من مصالح اقتصادية مشتركة من منافع متبادلة.. فمثلاً استيراد مصر للحوم والماشية السودانية ورغم التفاهمات التي تمت غير ان الجانب الرسمي المصري تنصل من الموضوع وتركه للقطاع الخاص أي أنها مسألة تجارة بحتة تخضع لقوانين الربح والخسارة وعلى الرغم من ان اللحوم السودانية من أكثر الأنواع طلباً في السوق المصري لكن لوجود تعقيدات خاصة بالأسعار لم يحدث أي انسياب للحوم ومعروف ان مصر من أكبر الأسواق في المنطقة وإذا وقفت فقط على الاعتماد على الصادر السوداني لكفى السودان من البحث عن أي أسواق أخرى للحوم والماشية.. فلنكن عمليين مبعدين عن تاثيرات العواطف السياسية .. لقد خسر السودان كثيراً من وجوده في الكوميسا جراء اسهامه في دخول مصر إلى هذا التجمع.. كل السلع المصرية المنافسة لانتاجنا تدخل إلى السودان بميزات التعرفة الصفرية وعن طريق تجارة الحدود بل حتى عن طريق التهريب وتدخل سلع لا اعتقد أنها تجد أسواقاً أخرى غير السودان. وهي عبارة عن أواني منزلية وبلاستيك ومنتجات غزل ومنسوجات.. وعن طريق الحدود تهرب الجمال السودانية وتفقد البلاد كثيراً من عائدات الصادر.. أما السلع السودانية وعلى راسها الماشية ومنتجاتها فلا تجد لها موضع قدم في السوق المصرية فقط لأن المستورد المصري يطمع في وصولها إليه بأسعار متدنية.
ومع رغبتنا في ان يكون الوضع غير ماهو عليه خلال الاجتماعات المشتركة المستمرة الآن، غير ان التاريخ القريب لا يحكي عن وجود استثمارات مصرية ضخمة بالسودان مثلما هو حالنا مع دول الخليج رغم تحركات رجال الأعمال هنا ومن هناك مع الوفود الرسمية.. استثمارات مشتركة وبرؤوس أموال مشتركة حتى الآن لم تحك عنها الاجتماعات الرسمية طيلة مسيرتها وهو أمر كان بالامكان ان يكون مختلفاً خاصة مع وجود دفع سياسي قوي من قيادتي البلدين.
ليت الاجتماع الحالي يتخطى مسألة توقيع مذكرات التفاهم، فهذه المذكرات على كثرتها منذ انطلاقة أعمال اللجنة الوزارية والعليا السودانية المصرية فلم تتنزل إلى أرض الواقع في كثير منها أمور تم توقيع تفاهم بشأنها غير أنها معلقة في المجال الجوي الفاصل بين مصر والسودان.[/ALIGN]
كلام الناس – السوداني – العدد رقم 971 – 2008-07-28