[ALIGN=CENTER]مناسباتٌ مضروبة [/ALIGN]
مرّت علينا قبل يومين الذكرى الخامسة لإتفاقية السلام الشاملة والتي اُصطلح على تسميتها بنيفاشا كنوعٍ من رد الفضل للمكان.. تلك الاتفاقية التي تبلورت في الدستور الإنتقالي الذي يُحكم بموجبه السودان، وسيظل سارياً الى أن تتم علمية تقرير المصير في يناير 2011، وبعدها سيكون المطلوب وضع دستورٍ دائمٍ أو دستورين و(ربَّك يسوِّي الفيها الخير). ونحن نقف عند يوم نيفاشا قد لاحظنا الإحباط يطلُّ من ثنايا التقييم باعتبار أنّ الآمال المعلّقة عليها قد خابت، وأنّ شبح تقسيم البلاد قد خرج من بين نصوصها .. هذا بالطبع ليس جديداً في سلوكنا السياسي، فقد تعوّدنا أن نندُب حظنا وآمالنا مع كل ذكرياتنا السياسية، فعندما أطلّت ذكرى الإستقلال قُلنا أنّ الآمال المعلّقة عليه قد (طرشقت)، وكذا فعلنا مع ذكرى أكتوبر، وذكرى أبريل.. وكأنّ المتنبئ قد أنشد بيت شعره الشهير (عيدُ بأيِّ حال عُدت ياعيدُ) خصيصاً لأهل السودان. عودةٌ إلى ذكرى نيفاشا، وإن لم نخرج عنها، فإتفاقية نيفاشا التي جاءت بعد ولادةٍ متعثرةٍ ومفاوضاتٍ مضنيةٍ تُحسب بالسنوات، وحضور دولي مكثّف، وكانت ضاجةً بالتفاصيل التي حُدِّدت أهدافها في:- أولاً: تحقيق السلام وإنهاء أطول حرب شهدتها البلاد. ثانياً: مع إقرارها لمبدأ تقرير المصير إلاّ أنها ألزمت موقِّعيها على العمل من أجل الوحدة. ثالثاً: أقرّت تقسيم جديد للثروة والسلطة في السودان، فقد قسَّمت الثروة جغرافيا وقسَّمت السلطة سياسياً بمعنى أنّها اتخذت الوضع الكونفدرالي كمعيارٍ لتقسيم الثروة بين الشمال والجنوبي، والوضع الفيدرالي لتقسيم الثروة بين ولايات السودان، أما السلطة فقد قُسِّمت حزبياً (52 , 28 , 14 . 6 ). أقرّت نيفاشا التداول السلمي للسلطة عن طريق إنتخاباتٍ ديمقراطيةٍ. إذن علينا إذا أردنا أن نقيِّم نيقاشا ونحكم لها أو عليها أن نبدأ بالأهداف التي أعلنتها لنرى ما الذي تحقَّق منها وما الذي أخفقت فيه ؟ فهل حقَّقت السلام ؟ هل أرست لبنة الوحدة ؟ هل حرّكت عجلة التنمية بتقسيم الثروة ؟ هل حقَّقت ديمقراطية ؟ الأمر المؤكِّد أنّه لا نيفاشا ولا أي إتفاقية سياسية في الدنيا سوف تُحقِّق الأهداف المرجوَّة منها بضربةٍ لازب بين يوم وليلة، وبحساب الزمن خمس سنوات ليست كافية لإصدار حُكماً عادلاً.. وبالتالي نسأل هل فتحت نيفاشا الطريق نحو تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه ؟ الأمر متروكٌ للجميع، للنظر فيه من الزوايا التي يريدون. في تقديري أنّ نيفاشا قد حقَّقت أهم بندٍ من بنودها وهو إيقاف تلك الحرب اللعينة التي طالت واستطالت وقضت على يابس ويابس البلاد (طبعاً خُضرة ماعندنا من أصلو).. لا، بل نيفاشا قدّمت السلام على كل شيء بما في ذلك الوحدة، بمعنى أنّها عرَّضت وحدة البلاد للخطر بإقرارها لمبدأ تقرير المصير من أجل عيون السلام، وكان المؤمل أن يرجع الجميع للعمل من أجل الوحدة بعد أن نامت أعين البنادق، ولكن من سوء حظ السودان أنّه تزامن مع سلام نيفاشا إشتعال حربٍ في دارفور، فأحاطت بسلام الجنوب.. كما أنّ الرحيل المفاجئ للدكتور جون قرنق أدَّى الى حدوث مفارقة بين نصوص الإتفاقية والنوايا التي وقَّعتها.. إذ أصبح النص هو سيِّد الموقف.. والإحتكام للنصوص المجرَّدة دوماً يكون مدعاةٌ للتشاكُس والتنافر، ولعلّ هذا ما حدث، فأصبحت نيفاشا كطفلٍ غير مكتمل النمو، ووُضع في حاضنة.. عليه، فقد زغردنا لنيفاشا ساعة ولادتها وحقَّ لنا ذلك، والآن ممحَّنين في انتظار خروجها من الحاضنة والعودة بها الى البيت، هذا إذا خرجت سالمة.
صحيفة التيار – حاطب ليل10 /1/2010
aalbony@yahoo.com