البادي أظلم – 2

[ALIGN=CENTER]البادي أظلم (٢-٢)[/ALIGN] قضى (مختار أبو النور) الليل ساهرا من حرقة القلب بسبب المقلب الذي شربه من صديقه (علي السنجك)، فقد كان يتنهد ويتقلب ذات اليمين وذات الشمال، كلما تذكر أنه اضطر بسبب المفلب لأن يذبح (غنماية اللبن) الوحيدة ليكرم بها ضيوفه، رغم أنها كانت صمام أمان البيت من الجوع، فكم شكّل لبنها الخيارات البديلة من وجع الفول في افطارهم، فتارة ملاح روب وأخرى ملاح لبن، أما في المساء فقد كان اللبن هو الطبق الوحيد على قائمة العشاء .. مرة مع البلح ومرة بالفطير ومرات (قرطعة) بـ (خشم الكورة) ..
في الصباح غادر البيت باكرا ليستلم حصته من الخضر من المورّد، ليبيعها في دكانته في سوق الخضار .. في طريقه مرّ بدكان (السنجك) الذي حضر وفتح ابكر من المعتاد تشوقا لرؤية ردة فعل (أبو النور) على الموقف الحرج الذي وضعه فيه عندما فرض عليه اقامة (حولية ذكر) ودعا لها (أهل الطريقة) في الزاوية، ولكن لخيبته تجاهل (أبو النور) الموضوع ولم يتطرق إليه بل تعامل مع جاره وصديق عمره وكأن شيئا لم يحدث وهنا تيقن (السنجك) أن صاحبه قد (حقنا ليهو) وانه سوف ينتقم منه شر انتقام ..
لم يطل انتظار (السنجك) لهذا الانتقام، فقد كان (مختار أبو النور) يعلم أن صديقه يعاني من الهم في كيفية تدبير مصروفات زواج ابنته البكر وأول فرحته، وذلك لاقتراب مواعيد عقد قرانها على ابن أحد جيرانه، دون أن يتمكن من تدبير ولو – لوازم العزومة .. بعد حوالي الاسبوع من (الحوليّة) توجه (أبو النور) باكرا لمحطة الباصات السفرية، وهناك سأل عن موقف الباصات المتوجه لمنطقة أسرة (السنجك) في الشمالية ..
اختار أحد الشباب كان يهم بالصعود إلى البص وسأله:
يا اللخو بتعرف لي حلّة التميراب ؟!!
أجابه الشاب:
أيي دي حلتنا
فرح (أبو النور بالصدفة السعيدة) وسأل الشاب:
سمح بتعرف (علي السنجك) الخضري الفي السوق الكبير ؟
قال الشاب:
بالحيل أهلو معانا في الحلّة
هنا أخرج (مختار أبو النور) من جيب جلبابه خطاب وسلمه للشاب وهو يقول:
الجواب ده تبقى عليهو عشرة .. توديهو لي شيخ الحلة تقول ليهو السنجك قال ليك ادعو ليهو الحلة كلها .. كبير وصغير بدون فرز .. الجمعة الجاية علينا دي عقد بنيتو الكبيرة .. تتفضلوا معاهو وتشرفوهو !!
ثم انطلق وهو يتبسم من فرط السعادة وهو يحاول أن يتخيل وقع ذلك (الخاذوق) الذي ضربه على أم رأس صديقه
يوم الجمعة المشهود صلى (أبو النور) الجمعة في مسجد قريب من بيت صديقه (السنجك) ثم توجه لزيارته ليكون بالقرب من موقع الحدث .. قبل أن يصل لباب منزل (السنجك) توقف بالقرب منه لوري (سفنجة) ممتلئ حتى (اللساتك) بالركاب من الجنسين .. وقف (أبو النور) غير بعيد حتى نزل جميع من في اللوري وطرقوا على الباب ..
كان (أبو النور) ليدفع نصف عمره ليرى وقع المفاجأة على صديقه، عندما يستقبل أهل قريته في الشمال عن بكرة ابيهم دون سابق استعداد أو تخسب، ولكن توافق وصوله مع وصول اللوري وفرّ له تلك السانحة، فوقف متبسما يراقب صديقه اثناء تقازفه بين احضان اقرباءه، وملامح الخلعة الممزوجة بالحيرة وعدم فهمان الحاصل تلون وجهه، ولكنه فهم كل شئ في لحظة عندما انتهى من الترحيب بآخر الضيوف القادمين ليجد صديقه الدود يقف من خلفهم ..
مالم يعمل حسابه (مختار أبو النور) هو كرم أهل القرى في الشمال الذي لم يحوج (السنجك) للتلفت بحثا عن مخرج من محنته، فقد حمل اللوري بالاضافة لأهل القرية كم لا يستهان به من الخراف والبهائم وشوالات القمح والذرة والبلح والسمن ووو وغيرها من الخيرات .. ذبحت الذبايح وتم اكرام الضيوف بالطعام حتى اصابتهم التخمة، وحتى يكفّر (أبو النور) عن فعلته التي تسببت في تلتلة أهل (السنجك) دون ذنب، فقد توجه لمنزل أهل العريس وسألهم عن امكانية عقد القران في نفس اليوم للإستفادة من فرصة وجود الأهل، فكانت الموافقة وتم العقد بعيد المغرب كأحلى ما يكون ..
وفي الصباح الباكر وقبل أن يغادر البص بالأهل سلّموا (السنجك) كشف مساعدات .. كانت دعما حقيقا له في اكمال مراسم زواج ابنته بعد اكتمال الاستعدادات .. وسببا لان يتوب الصديقان من تدبير المقالب لبعضهم البعض .. فقد كبروا وعقلوا

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version