افترق الاثنين بالقرب من موقف المواصلات ليستقل كل منهم (البرينسة) التي ستوصله لـ (الحلّة) التي يقيم فيها، وكل منهما يشكو لطوب الارض من الفلس وضيق الرزق ..
مرّ (علي السنجك) في طريقه لخط مواصلاته بزاوية الطريقة الصوفية التي يعتقد فيها الكثير من أهل المنطقة، ألقى بالتحية على (الذكّارة) الذين كانوا يجلسون بالقرب من البوابة، وقبل أن يبتعد عن المكان كانت فكرة مقلب (صامتوتي) قد خطرت بباله .. تراجع ووقف أمام مجموعة الرجال الجالسين بجوار الزاوية، ثم سألهم بقلب قوي:
الليلة مرتبطين بي حولية وللا ذكر يا شيوخنا ؟
وعندما اجابه الرجال بالنفي، أخبرهم بأنه موفد من قبل أحد كبار أعيان (حلة ود الجعلي)، حيث طلب منه أن يدعوهم لحولية يقيمها بمناسبة عودته من العُمرة، ثم قام بوصف منزل صاحبه (أبو النور) وطلب منهم أن يحفظوا الاسم جيدا وما أن يصلوا الحلة حتى يسألوا عنه وسيصلون باذن الله ..
كان (مختار أبو النور) يجلس على مصلاته بعد صلاة المغرب يتلوا الأوراد، عندما تناهى لسمعه صوت (نوبة) قادم من بعيد .. أرخى سمعه لبرهة قبل أن يهز رأسه في حيرة ويواصل قراءته، ولكن تعالي صوت (النوبة) والضجيج دفعاه ليقوم من مصلايته ليستجلي الأمر، فـ (الحلة) صغيرة وجميع من يسكن فيها من الأهل والاقرباء، ولم يسمع بوجود مناسبة تستدعي حضور الذكّارة لحلتهم ..
قبل أن يصل للباب سمع صوت طرقات عالية توحي بأنها من طرف عكاز مضبب .. أسرع بفتح الباب ليفاجأ بمجموعة كبيرة من الشيوخ والدراويش وحاملي الرايات والنوبة .. بعد السلام سأله شيخ وقور يلبس المرقع وتبدو عليه سيماء الصلاح:
ده ديوان حاج (مختار أبو النور) .. قالولنا لينا داعينا لي كرامة العُمرة ؟
أحس (أبو النور) للحظة بالزهو عندما منّ عليه الشيخ بوسامين في لحظة، فقد دعاه بـ (الحاج) وسمّى حوشه البسيط ديوانا .. أجاب بروح الكرم أصيل التي لا تتردد (في لقى في عدم) في استقبال الضيف واكرامه:
بالحيل وصلتوا تب أدخلوا لي جوة ..
غادر الشيوخ قبيل منتصف الليل بعد أن أقاموا ليلة عامرة بالذكر والمديح، (ذكر) فيها (أبو النور) مع جيرانه حتى كاد يسقط من طوله من فرط الاجهاد والتعب ..
خرج (أبو النور) خلف ضيوفه يودعهم بقلب صافي دون أن يوجعه أضطراره لذبح (غنماية اللبن) التي يشرب منها صغاره، في سبيل أن يكرم ضيوفه دون أن يفكر في سؤالهم عن من هداهم ليطرقوا على بابه .. وهم يرددون:
عمرة مقبولة ياحاج !!
قبل أن يركب آخرهم فوق ظهر (الدفار) أحس (أبو النور) بـ (آكولة) الفضول تأكل قلبه، ورغب في أن يتبين حقيقة ما حدث فسأل أحد الشباب بصوت هامس:
انت قلتا لي البلّغكم بي خبر العُمرة والكرامة منو ؟
فأجابه الشاب قبل أن (يشبح) رجله فوق (اللستك) ويمتطى حافة الدفار:
ماني خابر إسمو .. لكن جانا راجل اخدراني مربوع لابسلو جلابية سمنية !
لم يحتاج (مختار أبو النور) للتخمين، فالاوصاف تنطبق تماما على صديقه اللدود .. فصرّ إحدى عينيه وبرم شاربه الكث ثم (طق طق) بمركوبه على الارض بضعة مرات وقال محدثا نفسه في غيظ:
سمح آآ سنجك .. أكان أخليك بيها يبقى شنبي ده فوق حُرمه !!
يتبع
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com