[ALIGN=CENTER]من الذي (أكل) المادة ” 67 “..؟ [/ALIGN]
اختتمت بلادنا العام 2009م بانتفاضة تشريعية لم يشهد السودان لها مثيلاً في تاريخه المعاصر.. فهناك قانون تقرير المصير لجنوب السودان الذي مهما سكبنا فيه من أحبار لن نغطيه و هناك قانون استفتاء أبيي الذي أجّل معركة سيغطي غبارها كل السودان.. فأولاد المسيرية لا يقلون تأثيراً عن أولاد أبيي.. و هناك قانون المشورة الشعبية لجبال النوبة والنيل الأزرق، و هذا جاء رمادياً سوف تتحكم فيه مجريات الحركة السياسية في الخرطوم و في المنطقتين، ومن جانب آخر هناك قانون الأمن الوطني الذي قوبل بشدّ وجذب، و بدرجة أقل كان قانون النقابات.. فالواضح جداً أنّ حُكامنا قد اقتسموا (نبقة) و بالمناسبة أصل المثل نبقة و ليست النبقة المُعرّفة بالألف واللام و المعروفة للجميع.. أمّا قصة المثل الأصلية فيستحيل إيرادها هنا، لذلك نترككم مع الفهم الشائع و( يا دار ما دخلك شر).. بالطبع لا يمكن أن نُلقي بالمسؤولية على المجلس التشريعي وبالتالي المشرّعين؛ لأنّ ترسانة القوانين هذه لا تعدو إلا أن تكون انعكاساً (للت و العجن) السياسي الذي تعيشه بلادنا من (اليومداك)، و لكننا لا يمكن أن نتجاهل المادة (67) من قانون تقرير المصير التي (أكلها) المجلس التشريعي غصباً عنه.. فهذه المادة كانت سوف تخفف الكثير من غلواء ذلك القانون و سرعة اندفاعه نحو الانفصال.. هذه المادة تقول إنّه يجب على شريكي نيفاشا أن يتفقا على قضايا ما بعد الانفصال قبل إجراء الاستفتاء، و هذه القضايا هي الجنسية والعملة والحدود و البترول و الديون و المعاهدات الدولية والجنوبيون الموجودون في الشمال، فهذه القضايا إذا لم يتم الاتفاق عليها فإنّ الانفصال لن يكون نظيفاً بل سيكون مقدمة لـ (دُشمان) من العيار الثقيل.. فاللت و العجن الحالي سوف يتحوّل إلى مفاوضات بين دولتين و الحرب الأهلية المُحتملة سوف تتحول إلى حرب بين دولتين – لا سمح الله و من يدري لعلّ مناقشة هذه الأمور قد تبيّن للجميع أنّ الانفصال لن يأتي بخير لجزئي البلاد.. لقد كان المؤتمر الوطني مُصراً على هذه المادة و بتلك الصورة، و لكن الحركة كانت هي الرافضة واعتبرتها شرطاً تعجيزياً وُضع أمام الاستفتاء، و يبدو أنّه قد تمّ الاتفاق على مناقشة تلك القضايا على ألا يتوقف الاستفتاء عليها.. بمعنى أن يستمر الكلام حولها و تستمر إجراءات تقرير المصير و(السبق أكل النبق).. و النبق هنا حقيقي و ليس صديقتنا نبقة.. و هكذا تحوّل الأمر من القانون الواجب النفاذ إلى بند من بنود السياسة التي لا ساحل لها؛ بيد أنني كنت أتمنى لو أنّه قد تمّ تركيز من الجميع: سياسيين وإعلاميين وحكام و معارضين على هذه القضايا؛ لأنّ هذا يدخل في باب التخفيف من القضاء فـ (حنانيك إنّ بعض الشر أهون من بعض)، لقد حُظيت المادة (27) البند الثالث المُتعلّق بطريقة تصويت الجنوبيين الذي هجروا الجنوب قبل الاستقلال باهتمام كبير، و كادت أن تُصبح بمثابة (القندول الشنقل الريكة) رغماً عن أنّ هذه المادة عند التطبيق ستكون (أي كلام) و لكن عدم ثقة الحركة و حرصها الشديد على تقفيل السكة أمام شريكها هو الذي أعطاها هذا الزخم الذي كانت أولى به المادة (67) لكن (نعمل شنو مع الناس ديل). على العموم لقد ألقى عام 2009م و هو يلفظ أنفاسه عبئاً ثقيلاً على عام 2010م وحمّله ما لا يحتمل بتطبيق تلك الترسانة من القوانين الثقيلة ولا نملك إلا أن نسأل الله اللطف في القضاء و رده، فعلماء الأصول أجازوا الدعاء برد القضاء.. فالمشيئة الإلهية لا و لم تستقل من التاريخ، و لكن يبقى علينا نحن بني البشر معرفة قراءة هذا التاريخ.
صحيفة التيار – حاطب ليل 4/1/2010
aalbony@yahoo.com