رأسي مثقل لدرجة أنني أحس بأنه قاصم لرقبتي.. عيناي محمرتان.. أحس أنهما ستخرجان من محجريهما.. تهتز في شبكيتهما الصور والأشباح.. أحس بالأرض تدور حولي.. أقدامي تحتها بساط متحرك.. لا شيء ثابت.. الأحداث.. الناس.. المواقف.. كل الدنيا حراك وكل سكون إلى تفجر.. والعكس وبالعكس.. صغيرتي «لولا» تلحظ حالتي وتسألني: «مالك يا ماما؟».. أرد عليها: «دبس وخمة نفس»، فتقول: «أرح الدكتور»، فأرد: «ما محتاجة لدكتور يا بتي».. وظللت طوال اليوم أتناول مخفضات الألم والصداع على أمل أن يذهب هذا «الدبس» بعيداً عني.. رغم أنني لا أعرف كنهه ومصدره لكنني سمعت البعض عندما يعاني مثل حالتي يدعوه بهذا الاسم.. وظللت طوال اليوم أربط رأسي.. إلى أن مارست المخفضات دورها وهزمت الحالة.. ورحت في نوم عميق..
* أدونا خاطركم!
ملفكم الأول.. لا.. لا بل أنتم ترونه غير ذلك.. فكل شخص يحمل «كابنت» من ملفات الحياة المستعجلة والمرتجاة إلى حين.. «اللُقمة والهديمات».. البيت والمصاريف.. التعليم والعلاج ثم الاجتماعيات والتي هي أنتم.. يا هؤلاء الذين نتمنى أن تعفو عننا على مطلع العام.. بالتأكيد قصرنا عن تفقدكم في أحايين كثيرة.. عندما تعتريكم موجات الفرح أو الحزن.. ليست ملفاتكم في سلة المهملات ولكن ظروفنا هي التي تضعنا نحن «ككابنت» في السلة.. دعونا نمارس عليكم الاعتذارات والتأسف والأسى.. وأضفوا علينا قليلاً من حلاوة صلة الأرحام التي نتمنى أن لا تقطع وشائجها معكم.. ثقوا أننا نحبكم بشدة ونعرف أننا بدونكم عدم.. فهل أدركتم أن ملفاتكم موضوعة في مكانها الصحيح.. فأنتم أهلنا الذين يحملوننا عالياً عندما «نتر.. ونقع..»، وأنتم من سيحملنا على حدباء ذات أربعة عندما تيأسون من أجسادنا الباردة، وتزفونها «مجرتقة» في ذلك العنقريب العتيق.. فكيف تكون ملفاتكم في الأرشيف أو السلة.. حاشا لله.. فقط أدونا خاطركم يا هؤلاء.. ونقر أمامكم بأننا مقصرون في حقكم.
*حبيبي في موقف كركر:
لم أعرف أنني سارتبط بهذا «الكركر».. الموقف الجديد للمواصلات.. إلاّ أن لي حبيباً بقامة الدنيا.. عزيز عليّ وجوده في ذلك المكان المزدحم الذي يختلط فيه الحابل بالنابل.. وترى فيه كل السودان يمور ويتفاعل بسحناته وألوانه ولغاته وشجونه ودموعه وأفراحه.. هناك في موقف كركر ذهبت أبحث عن حبيبي الغالي، بملامحه السودانية الأصيلة وزيه المميز وطريقته السهلة في التعامل مع كل من حوله.. فهم يصنعون معه هناك جانباً من الحياة في تواصلها الممتد.. في ذلك اليوم لعلي أجده فأبثه حبي وتمنياتي له بالعمر المديد مع مقدم العام.. لم أجده في تلك اللحظات.. ولكني حييت المكان بكل زخمه.. أوراقه وسندوتشاته وصحفه وعصائره.
آخر الكلام: حبيبي الغالي والدي «موسى الصديق» كل عام وأنت بخير.. حضرت ولم أجدك.. لأنني أظن أن التحية في مكان كهذا لها وقع خاص.
آخر لحظة الأثنين 4/1/2010 العدد 1223
fadwamusa8@hotmail.com