الزول ده نزل الشغل جديد ..
فقد كان مرتب الهندام وثيابه نظيفة مما يدل على أنه حديث عهد بالجن، أو أن جنه من النوع الـ (مغسل وكاوي) ..
رغم وجود نص في قانون النظام العام لولايتنا السعيدة يحظر ممارسة التسول والتشرد ويجيز للشرطة جمع المشردين وتسليمهم لدور الرعاية الاجتماعية، كما يجوز للشرطة القيام بحملات لجمع المعتوهين من الأماكن العامة وتسليمهم للمصحات أو اعادتهم إلى ذويهم الذين تسببوا من أساسو في جنهم وطفشانهم ..
رغم وجود هذا النص القانوني إلا أن شوارعنا نحمد الله تثغي بالمجانين، حتى صارت أمنية الحصول على (صينية) دونها الوقوف في الصف، أما حق الوقوف في منتصف جاكسون لفت الغباين فـ (إلا بالواسطة) .. سبب انزواء مجانين الرأي عن الطرق الرئيسية وصوانيها التي تحولت لـ اشارات مرور، مرجعه لمضايقة الباعة المتجولين لهم في رزقهم .. الواحد يجن بي راحتو كيف والجماعة يتطاقشوا شي مناديل وشي اسكراتشات ؟!!
هذه المقدمة ليست من باب شيل حس ناس الولاية لكثرة المجانين والمشردين والمعتوهين فيها، فهذه الظاهرة لا تخلو منها أرقى المدن العالمية ودونكم الحكاية التي تتداولها المواقع الالكترونية عن الصداقة التي نشأت بين (كارلا) زوجة (ساركوزي) وأحد المعاتيه، والذي يقيم في الشارع بالقرب من مكان أقامتها .. قلت معتوه وليس مشرد لأن (كارلا) طلبت منه أن يخبرها بما يحتاجه فطلب (بطانية) .. في معتوهية أكتر من كده ؟ يعني صاحبنا فرك مصباح علاء الدين وطلعت ليهو الجنية قام قال ليها داير لي بطانية !!
لكل مدينة عوالم سفلية قد نلتقي بها صدفة في الطرقات، لكننا نتجاهل التواصل مع ساكني هذه العوالم، فلو استطعنا الاقتراب بسلام – من هذه العوالم لوجدنا فيها الكثير من الشخصيات التي وان بدت معتوهة، إلا أنها تنطق بالحكمة وتمارس أفضل أنواع التعقل والتأمل، في واقع بائس انقلبت فيه الموازين وأصبح أفضل فلاسفته المشردين والمعتوهين، وجعل التعقل في أخذ الحكمة من أفواه المجانين .. صاحب (كارلا) ركل الدنيا وبريقها برجليه عندما جاءته، فعندما سئل لماذا لم يطلب منها أن توفر له المأوى والاستقرار ؟ أجاب بأنه لا يحتاج لاكثر من بطانية ليشعر بالدفء والارتياح ..
ربما بسبب مضايقة الباعة المتجولين بحث بعض فلاسفة الشوارع لمنبر آخر، يمارسون من خلاله متعة التعبير عن الرأي فلم يجدوا أفضل من دور الصحف .. حقيقة انني لا أقوم بزيارة مقر صحيفة حكايات بصورة راتبة، ولكن في المرات القليلة التي قمت فيها بذلك صادفت أكثر من مرة أحد ظرفاء المكشكشين، والغريبة انهم دائما ما يسعون للتعرف على كتّاب الصحيفة .. زرت الصحيفة ذات نهار فاعترضني شاب (مغسل وكاوي) وان بدت عليه الزهللة .. سالمني بحرارة حتى قمت بـ (مقالعته) لاسترد يدي من قبضته وأنا أفكر بجدية في الامتناع عن المصافحة (تاني) .. ما أصابني بالقلق أكثر أن موظف الاستقبال رفع يده حتى وازت رأسه واشار لي من وراء ظهر الشاب بحركة دائرية، فهمت معناها جيدا وهيأت نفسي للهرب، ولكن الشاب اعترض طريقي وسألني بتحفز:
(أنتي الاستاذة منى أبو زيد ؟)
قلت (يا ريت والله)
فعاجلني بـ (أكيييد تبقي الاستاذة منى سلمان)
قلت متبريّة (أبرا يا يمة .. ليه أنا عجوزة للدرجة دي ؟)
وقبل أن يشتم الشاب السخرية من كلماتي ويلحقني الغطس، عاجلته بـ:
( الناس ديل ما قاعدين يجوا الجريدة .. قالوا برسّلوا المواد بالبريد) .. وعلى طريقة جحا عندما قال (بطن أمي بعد مرقتا منها أريتا التنسد) قلت للشاب:
(خش جوة بتلقى الصحفيين والمحررين .. بجيهوك تماآآآم) ثم وليت هاربة ..
موهبة الكتابة كثيرا ما تلتصق بتهمة (التعاطي) ومافيه من شبهة الجنون .. و(عبقر) ذاتو وادي من أودية الجن الصحي صحي، وبالتالي اقترح لنزع فتيل العنف من هواة الكتابة ومطاردي الكتّاب، أن نفسح لهم في مجالس الصحافة ليقولوا ما عندهم، فـ (الكلام) يقارع بـ (الكلام) .. ولأستاذنا الرائع (يحيى فضل الله) نيابة عن جمهور المعجبين بكتاباتك من زمان أقول:
اللبعة الجاتك في تداعياتك والله وجعتنا ومارضت علينا ولكن عزانا في أنها ضريبة التميز والتفرد ..
كسرة:
تاني كراعا تعتّب حكايات تنقطع من حدّها .. هو العمر بعزقة ؟!!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com