الإتجاه المعاكس .. نموذجاً للعقل العربي

[ALIGN=CENTER]الإتجاه المعاكس ..نموذجاً للعقل العربي [/ALIGN] ** لفترة زمنية لم تتجاوز نصف الساعة ، تابعت الحلقة الأخيرة من التهريج المسمى – عند قناة الجزيرة – ببرنامج الإتجاه المعاكس ، ثم تحولت إلي روتانا سينما بحثا عن فيلم تخرجني قصته من ذاك السأم الذي إنتابني في تلك الدقائق الثلاثين ..ربما يكون مزاجي مخطئا أو ربما فهمي لمعنى الحوار الموضوعي خاطئا ، ولذلك لاتنقصني الصراحة حين أشبه برنامج فيصل قاسم هذا ببرنامج هالة شو الذي كانت تعده وتقدمه هالة صدقي .. أي ، لافرق في الإثارة والتهريج ثم الملخص الختامي الذي يجب أن يستلهمه المشاهد ، وهو : اللاشئ .. برنامج هالة صدقي ظل يقدم اللاشئ في أي حوار فني ، بيد أن برنامج فيصل قاسم يقدم اللاشئ في أي حوار سياسي ، والسبب كان – ولايزال – هو : ..« رداءة التقديم » ..!!
** نعم ، تقديم الإتجاه المعاكس يتم بشكل ردئ ، وليت الرداءة توقفت عند التقديم فقط في حلقة الأسبوع الفائت ، بل حتى إعداد تلك الحلقة كان بائسا ، وهي حلقة تعكس لك : كيف ينظر العقل العربي لقضايا السودان ، ثم في قضايا السودان ذاتها : كيف ينظر إلي قضية الجنوب ..؟..صبرا ، صديقي القارئ ، إليك بعض الشرح .. فيصل قاسم أراد أن يناقش قضية « الوحدة والانفصال » ، حسنا هي قضية تستحق النقاش حتى ولو كان في الوقت بدل الضائع ، ولكن السؤال الأول : من الذي يقرر وحدة السودان أو انفصال جنوبه بعد خمسمائة يوم فقط لا غير ..؟..الإجابة التي ليست بحاجة إلي درس عصر هي : المواطن الجنوبي فقط لا غير .. تمام ، فالسؤال الثاني والذي بمثابة تكملة للسؤال الأول هو : أية نخبة هي الأقوى تأثيرا في مخاطبة المواطن الجنوبي بخياري الوحدة والانفصال ، هل هي النخبة الشمالية التي ينتمي إليها الطيب مصطفى وساطع الحاج أم هي النخبة الجنوبية التي ينتمي إليها لام أكول و لوكا بيونق ، على سبيل المثال ..؟.. بخطاب من – من النخبتين – سيتأثر المواطن الجنوبي عند لحظة اتخاذ قرار مصير جنوبه ..؟.. الإجابة التي تتهرب منها النخب الشمالية هي : أن النخب الجنوبية فقط هي التي صارت مؤثرة في الجنوبيين ، وان كل خطب وخطابات النخب الشمالية – عن بكرة أمها وأبيها – لم تعد عند المواطن الجنوبي إلا « أذان في مالطا » ..!!
** هكذا الواقع الذي تتهرب منه نخب الشمال ، وهو ذات الواقع الذي تجهله أو تتجاهله قناة الجزيرة وبرامجها ..ولو لم تكن تجهل أو تتجاهل ، لما جاء الإتجاه المعاكس بمن لاناقة لهما ولاجمل في حق تقرير مصير الجنوب ، ليتحدثا عن هذا المصير المرتقب .. من أبجديات الإعلام إنك حين تفكر في إعداد و تقديم مادة إعلامية مشاهدة أو مسموعة أو مقروءة ، تفكر أولا في الفئة المستهدفة بتلك المادة .. وبما أن أية مادة إعلامية ذات صلة بحق تقرير مصير الجنوب يجب أن تستهدف – في المقام الأول – صاحب هذا الحق « المواطن الجنوبي » ، كان على برنامج الإتجاه المعاكس أن يستهدف هذا المواطن بمن يثق في خطابه ويستمع إليه حتى ولو كان مختلفا معه ، أي كان يجب مخاطبته بأفكار وآراء وألسنة نخبته التي ترسم له مستقبل جنوبه ، وهي نخبة فيها الوحدوي وكذلك الانفصالي ، وماكان عليها أن تخاطبه بأفكار وآراء وألسنة النخب الشمالية « ساطعا كان أو الطيب » ..هذا وذاك – وغيرهما من نخب الشمال – رغم إختلافهما فيما بينهما حول الوحدة والانفصال ، إلا أن طرائق تفكيرهما – حول الوحدة والانفصال ذاته – تختلف تماما عن طرائق تفكير « أهل الجنوب » ، وهذا ما لم تستطع نخب الشمال فهمه في النصف قرن الفائت ، وكذلك لم تفهم بعد .. بدليل أن الوحدوي الذي كان يدافع عن السودان الجديد في تلك الحلقة هو في الأصل زعيم الحزب الناصري ، وكل من فك حرف السياسة يعلم بأن الفكرين – الناصري والسودان الجديد – لا يلتقيان إلا في « العقل السوداني » .. وما هذا إلا نموذج ، و كثيرة هي العقول النخبوية التي تحمل الفكر وضدها ، وهي لا تشعر بذلك التناقض أو تشعر ولكنها تتمادى في التناقض عملا بنظرية : لكل مقام فكر..!!
** المهم .. بجهلها أو بتجاهلها ، لم تخاطب قناة الجزيرة أهل الجنوب بأفكارهم وآرائهم ، ولكنها خاطبت أهل الشمال بأفكارهم وآرائهم بمظان أنها تخاطب أهل الجنوب ، وهنا مربط …« فرس الأزمة » .. !!

الصحافة – 28/12/2009 العدد 5931
tahersati@hotmail.com

Exit mobile version