طقوس الزواج عند النوبيين شائكة وطويلة ومعقدة، ولا تحضرني تفاصيلها..كيف تستحضر تفاصيل مراسيم تدوم نحو شهر ويشارك فيها المئات يوما بعد يوم.. وحتى ليلة الدخلة يحشر فيها الأقارب أنوفهم… كانت الاستعدادات تبدأ بطحن كميات هائلة من القمح والذرة.. يتم حجز الطاحونة ليوم كامل لإعداد دقيق الفرح.. وتعقب ذلك ليلة الشيلية (هكذا ينطق النوبيون كلمة “شعيرية”).. يتم تمديد أعواد خشبية ملساء فوق صفائح فارغة وتجلس النساء في صفوف متقابلة ويبدأن في برم العجين حتى يتشكل كخطوط رفيعة يعلقنها على الأعواد ويستغرق إعداد الشعيرية نحو سبع ساعات ويشارك فيها نحو عشرين امرأة.. ولم تكن الشعيرية تقدم للضيوف بل للعريس، وفقط بعد اكتمال مراسيم الزفاف حيث يبقى العريس في بيت أهل زوجته لعدة ايام محاطا بأقارب وأصدقاء من الدرجة الأولى.. والله منذ أن فارقت أرض النوبة وغدد التذوق عندي في شوق للشيلية المصنوعة بالأيدي من دقيق القمح الكامل النخالة.
وفي اليوم الرئيسي للفرح (بالمناسبة أنا أكتب عن هذه الطقوس من باب التدوين والتسجيل لأن معظمها اندثر بعد ان عرف اهلنا باختراع الكراسي والكهرباء والمايكرفونات والشعيرية الايطالية المصنوعة في … الخرطوم).. في ذلك اليوم يتوزع الضيوف على 4 بيوت أحدها بيت أهل العروس ويبقى فيه فقط النساء اللواتي يشاركن في إعداد الطعام.. أحد بيوت الجيران يخصص للعروس والبنات اللواتي في مثل سنها ويسمى “نافرين نوق”، أي بيت الاختفاء بسبب الحرص الشديد ألا تقع عين العريس على زوجة المستقبل قبل ليلة الدخلة (طبعا يكون قد رآها مليون مرة قبل ذلك ولكن ممنوع الشوف ايام الزواج) وبيت يخصص للنساء المتزوجات ومن في حكمهن من حيث العمر وبيت رابع للرجال.. فاصل قصير ونستأنف الحفل.
زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com