المعارضة لا تعني أن تكون ضد الوطن، وإنما ضد بعض المواقف الحكومية وإن كَثُرَت، وربما تقودك المعارضة لأن تكون مدافعاً عن الموقف الحكومي إذا كان ذلك الموقف يصب في خانة المصلحة الوطنية».
ما سبق من حديث هو للواء معاش فضل الله برمة ناصر نائب رئيس حزب الأمة القومي، ولعل هذا الحديث فيه التفسير الوافي لبعض مواقف السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، التي تقترب من مواقف الحكومة التي كان آخرها – أي مواقف المهدي – في خطابه الذي القاه أمام المجلس المصري للشؤون الخارجية الأسبوع قبل الماضي.
فقد توافق حديث المهدي مع رؤية حزب المؤتمر الوطني في أن أمريكا دائماً ما تنحاز في مواقفها الى جانب الحركة الشعبية، حينما قال: «إن التعامل الأمريكي ينظر الى الحركة الشعبية بعين الرضا والمؤتمر الوطني بعين السخط». وفي هذا الشأن لا يعني المهدي أن يكون في «خط الظهر» للوطني، ولكن بحسب مراقبين فإنه يدرك أن هذا الانحياز لا تريد منه الولايات المتحدة مصلحة السودان وإنما هي من باب السياسة الاستعمارية القديمة «فَرِّق تَسُد» التي تعامل بها في السابق المستعمر البريطاني مع ابناء الشمال والجنوب الأمر الذي ما زال يعاني الوطن منه بأكمله مفرزاً وراءه تداعيات التعامل العنصري بين الشماليين والجنوبيين فكان البذرة التي أنبتت شجرة «تقرير المصير».
وفي ذات الخطاب دعا المهدي الى تأجيل الإستفتاء واصفاً أياه بأنه ليس تلك البقرة المقدسة، وهذه الدعوة وإن كانت تتواءم مع مزاج المؤتمر الوطني إلا أن ما وقع عليه الوطني من مواثيق يجعله حريصاً أن لا يدعو لتأجيل الإستفتاء صراحة، وإن كان يطالب به بصورة غير مباشرة حينما يصر على إجراء الإستفتاء بعد ترسيم الحدود وهو أمر نصت اتفاقية السلام على ضرورة إجرائه بين الشمال والجنوب بعد ستة أشهر من إبرام اتفاقية السلام أي في العام 2005م، ولكنه ظل حتى بعد ست سنوات من توقيع الاتفاقية محل خلاف بين الشريكين ومن المستبعد إجراؤه قبل التاسع من يناير المقبل موعد الإستفتاء. إلا أن المهدي لم يكن مكبلاً بإتفاق ما في التعامل بصراحة وواقعية حينما قال: إن القضية ليست متى يجري الاستفتاء ولكن ضرورة أن يكون حُراً نزيهاً وأن يتفق على آلية مُجدية لتناول النقاط الخلافية، وتابع: «لمن المؤسف حتى الآن أن الأسرة الدولية بقيادة الولايات المتحدة غير مهتمة بنوع الاستفتاء بل بشكله، وهذا سيناريو كارثي، لأنهم يتحدثون فقط عن إجراء الاستفتاء دون ضوابط نزاهته ولا يعيرون النقاط الخلافية الملتهبة «أبيي» اهتماما، بل يوهمون بعض الأخوة الجنوبيين أن الولايات المتحدة سوف تجعل من دولة الجنوب إذا انفصلت أنموذجاً ناجحاً».
وبعض ما ذكره السيد المهدي بحسب مراقبين، لا تستطيع الحكومة أن تقوله على أفواه مسؤوليها الرسميين بإعتبار أن حساباتها في السياسة الدولية تختلف عن حسابات المعارضة التي لا يعنيها كثيراً مدى سخط أو رضى منظومات دولية تلتزم الحكومات بمواثيقها.
ويذهب المهدي ليقول، «لا أعتقد أن الرؤية الأمريكية الناضجة تشجع هذا النهج – النهج الامريكي الداعم للإنفصال – ولكن موجة الدعم الأمريكي للموقف الشكلي أن الرأي العام الأمريكي يريد أن يرى أمريكا مؤيدة للجنوب»، ويواصل: «هذا الموقف يجد دعماً كذلك من اللوبي الإسرائيلي، ولكنها وعود كاذبة. فأمريكا وإسرائيل في مرحلة جديدة لا تستطيعان إجتراح المعجزات كما يتوهم بعض الناس» وإعتبر المهدي أن العمل على إجراء نزيه للإستفتاء هو الفرصة الوحيدة لتحقيق نجاح في سياساتها الدولية «أمريكا».
وكل ما سبق من حديث للسيد الصادق المهدي يدعم بشكل أو بآخر مواقف إتخذتها الحكومة وأخرى جاهرت بها وثالثة اكتفت فيها بالتلميح.
وحتى لا ننزع حديث المهدي من سياقه فإن ما تم ذكره آنفاً لا يعني أنه كرس خطابه لخدمة مواقف المؤتمر الوطني فقط، بل إنتقد الوطني والحركة الشعبية في كثير من فقرات الخطاب مشيراً الى أن الاتفاقية تطلعت لجعل الوحدة جاذبة، وقال: لكنها في الواقع جعلت الانفصال جاذباً بموجب بروتوكول ميشاكوس الذي قسّم البلاد على أساس ديني، شمال للشريعة وجنوب للعلمانية، وبروتكول تقاسم الثروة الذي خصص للجنوب «50%» من إيرادات بتروله ما يجعل للجنوبي حافزاً للانفصال ليحتفظ بكل إيرادات نفط الجنوب.
وطعن المهدي في مشروعية تسمية الإتفاقية بالسلام الشامل وقال: هي وقعت في وقت كان فيه الاقتتال محتدماً في شرق البلاد وغربها لا سيما دارفور التي كانت في عام اتفاقية السلام محط أنظار العالم كله، وأضاف: إن فترة الحكم الانتقالي زادت «الطين بلة»، وعزز الاستقطاب الشمالي الجنوبي أمران آخران هما: التباين الأيديولوجي بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وطرحهما للتوجه الحضاري والسودان الجديد. الأول إسلاموعروبي والثاني علمانوأفريقي.
ويقول اللواء فضل الله برمة ناصر لـ«الرأي العام» معللاً حديث المهدي، بأن حزبه في هذه المرحلة التي وصفها بالحرجة من تاريخ السودان لا ينظر للمعارضة بأنها منبر للعداء السياسي فقط، وإنما هي مؤسسة تلتزم جانب المصلحة الوطنية بعيداً عن المصالح السياسية، مؤكداً على تمسك حزبه بمآخذه من المؤتمر الوطني ولكن هذا لا يعني عداء الوطن. وقال: بالنسبة للقضايا الأساسية فنحن ننظر لها من منطلق وطني وأخلاقي وليس من منظور حزبي، وأضاف إذا كانت مصلحة الوطن توجب علينا إنتقاد المؤتمر الوطني أو الحركة الشعبية أو الولايات المتحدة الأمريكية فسنفعل دون تردد.
الراي العام
تقرير: ضياء الدين عباس