المليار و ..التلويح السلبي

[ALIGN=CENTER]المليار و ..التلويح السلبي ..!![/ALIGN] ** ليس غريبا أن يدعم النظام الأمريكي – أو أي نظام آخر – حكومة الجنوب ، وهذا الدعم لا يتناقض مع نصوص نيفاشا .. بل حتى الدعم الذي تقدمه أمريكا بين الحين والآخر لجيش الجنوب لايتناقض مع تلك النصوص ، لأن نيفاشا تنص بمادة لا لبس فيها ولاغموض بأن ميزانية البلد الاتحادية لا شأن لها بجيش الجنوب ، وأن على حكومة الجنوب أن تدير حال جيشها – تدريبا وتأهيلا وإعاشة – بأي دعم تراه مناسبا ، فقط عليها ألا تفكر بأن جيشها قد يحظى بدعم من حكومة السودان ..وعملا بهذا المعنى الواضح في دفتر نيفاشا ، لاتمانع حكومة الجنوب – وجيشها – بأن تتلقى كل أنواع الدعم من كل أرجاء العالم ، لاتمانع ، بل تسعى بخطى دؤوبة في كل الدروب التي تؤدي إلي الدعم المطلوب ، عسكريا كان أو تنمويا ..هكذا قالت نيفاشا ، فأين الخبر المثير في أن تقدم واشنطن كل عام مليارا من الدولارات لحكومة الجنوب ، أو كما قال مدير مكتبها هناك – لول جاتكوث – لصحف البارحة ..؟
** ليس في الخبر عجب ، بل أنه ما قد وجب بأمر نيفاشا .. ولكن كنوع من المزايدة السياسية ، أضاف جاتكوث لهذا الخبر ظلالا وذيولا ، حيث زعم بأن أمريكا تقدم هذا المبلغ – المليار دولار – تحت بند : فصل الجنوب ..هكذا قال ، ثم كذب قوله بنفسه قائلا : هذا المبلغ يصرف في إنشاء البنية التحتية للجنوب وتدريب وتشكيل الجيش والأمن ..ثم أراد أن يقول – لا إراديا – للمؤتمر الوطني : إني أخدعكم ، وذلك بقوله خاتما حديثه : الانتخابات القادمة قد تقود إلي الحرب إذا شعر المرء بالغش والخداع .. هكذا ختم حديثه ، وطبعا المراد بالمرء في تلك الجملة هو « حركته الشعبية » ويعني بالبلدي كدة : « لو ما فزنا بنحارب » ..هذا الختام فقط هو : « كل الخبر و كل الحديث» ..أى كل ماسبق الختام مجرد طق حنك ليس إلا ، فلا تصدقوه ..حيث واقع الحال بالجنوب أيضا يكذب حديث جاتكوث ، وإن لم يكن كذلك ، فأين البنية التحتية التي شيدتها حكومة الجنوب خصما من المبلغ الملياري السنوي ، وتأهبا للانفصال ..؟
** يعني مثلا : هل سمع أحدكم بأن الفريق سلفا قص شريط افتتاح أي طريق يربط أي مدينتين بالجنوب ، في الخمس سنوات الفائتة ..؟.. هل سمع أحدكم بأن الدكتور رياك افتتح محطة مياه – غير تلك التي أنشأتها مصر لأحياء بجوبا – خصما من تلك المليارات ..؟.. وهل هناك قرية أو مدينة بالجنوب أضيف إليها مصباح كهربائي مضئ منذ نيفاشا – غير المصابيح التي أضافتها مصر لأحياء بواو – خصما من مليارات أمريكا السنوية ..؟.. الجنوب ليس في المريخ ، والصحف التي تنقل أعداد ضحايا الصراع القبلي قادرة على نقل احتفالات افتتاح مشاريع التنمية والبنية التحتية ، إن وجدتها ، ولكنها لاتجدها ، فعلى أمريكا أن تأتي وتبحث ، ربما تجد مشاريع مخبوءة شيدتها ملياراتها السنوية ، ولكن حكومة الجنوب لا ترغب في إظهارها إلا بعد إعلان « دولة الجنوب » .. ربما الأمر كذلك ، الله أعلم .. مين عارف ، احتمال دافنين الشوارع المسفلتة ومحطات الموية والكهرباء ، لغاية ما يشوفوا أخرتا .. هكذا ، أو أن جاتكوث بحاجة إلي عبقرية توضح لأمريكا – صاحبة المليار دولار – ولكل العالم : فيما صرف هذا المبلغ السنوي الذي يجب ان يؤهل الجنوب بحيث يكون دولة بعد خمسمائة يوم ..؟
** نعم ، نصف حديث جاتكوث صحيح مليون في المائة .. أمريكا تدفع سنويا ، وغيرها كثر ، يدفعون إما سنويا أو بين الحين والآخر ، هكذا حال الدفع المعلن وغير المعلن منذ بداية عهد الحكم الثنائي ، ولكن السؤال المزعج : أين ذاك الحال من « واقع حال المواطن الجنوبي » .. ؟..فالواقع بحر من البؤس وكأنه لم يتلق دولارا في عمره ، ناهيك عن المليار سنويا ..بدليل أن خطة العودة الطوعية لاتزال حبرا على ورق ، وان الصراع القبلي لايزال مشتعلا ، وان تشريعي الجنوب هو الذي أعلن قبل عام عن موت البعض جوعا ، وان حكومته لاتزال تعلن كل فترة عن تفشي الأيبولا والفجوات الغذائية « اسم الدلع للمجاعة » ..هكذا الحال ، فأين مليار عام فقط لاغير ، ناهيك عن مليار كل عام ..؟.. ومرد الأسئلة ليس للتكهن بالوحدة أو بالانفصال ، فاختيار هذه أو ذاك شأن يخص مواطن الجنوب في موعد الاستفتاء ، ولكن الأسئلة مردها هو التحديق في أسباب عجز حكومة الجنوب عن توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة لمواطن الجنوب رغم تدفق المليارات السنوية المعترف بها وغيرها « البي تحت تحت » ..؟..فقط تلك الحياة هي المطلوبة لذاك المواطن ، وبعدها فليتحد طوعا أو ينفصل اختيارا..ويخطئ جاتكوث لو ظن بأن الانفصال فقط يكفي حلا لأزمات مواطن الجنوب ، فلينظر إلي رواندا ليكتشف خطأ ظنه ..ثم التلويح بورقة الانفصال عند شاطئ الانتخابات لايصلح استقطابا سياسيا ، فتلك ورقة استراتيجية يجب ألا تستخدم في غير مقامها ، أي في « مقام تكتيكي » .. فليكن خطاب الحركة في الانتخابات برنامجها السياسي فقط لاغير حتى يحظى بكسب بعض أهل السودان ، شمالا وجنوبا .. بالبرنامج السياسي فقط قد يحظى بهذا الكسب ، أما التمادي في التلويح بكرت الانفصال فانه لن يجلب للحركة في الشمال غير « عليك يسهل وعلينا يمهل » .. فالمواطن الشمالي ليس بسعة حلم وصبر « قيس بن عاصم والأحنف بن قيس » ..!!

الصحافة الخميس 24/12/2009 العدد 5930
tahersati@hotmail.com

Exit mobile version