تعودت أن أكظم (دهشتي) المستاءة، كلما سمحت لنا ظروف أول الشهر بدخول أحد المطاعم أو الكافتيريات السياحية، للتمتع بشيء من الفرجة والشم والتذوق، وذلك لأننا غالبا ما نصادف شلة من المراهقات وصغيرات السن – ربما حصلت كل واحدة فيهن على الاذن من أوليائها بالخروج للفسحة مع رفيقاتها ولكن بمجرد دخولهن للمحل يتوجهن نحو طاولة يحتلها الشباب (ناصلي البناطلين)، حيث يقوم جيل البطولات لـ (يفسح) مجالا لجيل التضحيات كي يشاركوهم المجلس، ثم ومع مرور الوقت يتسلل كل (زوج) منهم لينفصل بطاولة منفردة، أو قد يغادرا المكان بعد اشارة لباقي المجموعة تحمل معنى (نتلاقى بعدين) !
دهشتي لم تكن من المنطق الذي أقنع أولياء أؤلئك الصبيات الصغيرات بالسماح لهن بالخروج ليلا للفسحة، بينما لم نكن نعشم ونحن في نفس السن في عبور باب الشارع بعد مغيب الشمس إلا لشديدٍ قوي وبرفقة محرم أو رفقة مأمونة جدا .. دهشتي كانت من عبقرية (القعاد على الاضنين) الذي يمارسه أولياء (البنيّات)، بصورة حجبت عن أسماعهم خبارات ذئاب الكافتيريات والطرقات، ويتم صغار المايقوما الذين هم ضحايا غفلة الآباء عن تبعات مثل هكذا (فسحات) !
قبل أن (نتوهط) في مجلسنا وينتهي الخلاف على الكراسي بين العيال، تناهى لاسماعنا صوت مرتفع لشاب يقول بغضب:
انتي ساذجة وللا شنو؟ يادوبك نحنا بنتقابل لينا شهر .. أنا بعرف لي مية بت غيرك يعني حا أكون بحبّهم كلهم ؟ !!
ارتفاع الصوت وغرابة الكلمات التي رددت صداها الصالة، أجبرتني على مفارقة الاتكيت والالتفات للخلف لأرى من نطق بها ومن وجهت إليها .. أندهشت (تاني) عندما وجدت أن الشاب يوجه كلامه لصبية في (طاشراتها) صغيرة نحيلة دقيقة القوام فيها مسحة من جمال وبراءة الصغر، و(الادهش) أن شكلها يوحي بأنها (بت ناس) !
واصلنا الاستماع للحوار دون كثير إجتهاد، فالشاب لم يكن يأبه وربما تعمد أن يسمعه كل من حولهم، فتبينت من التفاصيل أن الصبية تتهمه بأنه يحب شابة أخرى كانت قد اتصلت به تلفونيا، بينما الشاب يدفع عن نفسه بأنه (لا يحب) صاحبة المكالمة ولا (غيرها)، وواهمة هي من تظن غير ذلك لأنهن جميهن مجرد صديقات، بل والأكثر ألماً أن الشاب أفهم الصبية بأنه (ما بتاع عرس)، ولو أراد الزواج لعرف كيف ومن سيختار !!
واصلت الإلتفات بين الفينة والفينة كـ (مروحة ترابيزة)، انتظارا لردة فعل الصبية وكيفية انتقامها لكرامتها المسفوحة على ساندوتشات البيرقر، ولكن لخيبتي اختارت أن (تعمل فيها مجنونة) فتضاحكت وهي تخبره بأنها إنما كانت (بتهزر) عشان تعرفوا حا يتصرف كيف !! تجاهلها الشاب وأمسك بالموبايل وبدأ محادثة (اقطع دراعي) إن لم تكن وهمية، عن القروش والبنك وتوريد دولارات والبيت العايز يشتريهو، فأمسكت الصبية هاتفها ولعلها اتصلت بشقيقتها لتسأل بصوت منخفض:
أمي لسه صاحية ؟ سمح عليك الله ما تخليها تعاين للساعة .. أنا راجعة بعد شوية !
تخريمة:
رفعت ليكم الضغط مش ؟ تعالوا ننزّلوا برائعة أبو عفان عن محبّين زمان:
كل من جهل الحقيقة سألني عن سرّك معايا
لكني خايف لو أدل الناس عليك يا أغلى غاية
كل واحد في خيالو بكرة يتخيل حكاية
وانتي ابعد ما تكوني عن الاقاويل والوشاية
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com