– ليس لدي علم بوفاة تجمع صنعاء لكن اعتقد ان تجمع صنعاء كانت اهدافه سياسية واقتصادية واجتماعية ولم يكن موجهاً ضد اريتريا او أية دولة غيرها..
هذه الدول الثلاث (اليمن اثيوبيا السودان) سعت لتعزيز العلاقات السياسية الاقتصادية والثقافية بينها بجانب التعاون في مجالات أخرى عديدة وتركت الباب مفتوحاً لمن يريد الانضمام للتجمع، خاصة من الدول التي لها علاقة طيبة بدول التجمع، وقد تم توجيه الدعوة لجيبوتي، وحسب علمي ان هذا التجمع لم يكن موجهاً ضد اريتريا التي ظنت ذلك.. اما وفاة التجمع فلم اسمع بها وليس هناك نعي رسمي لوفاته
* نأتي لملف الأمن في القرن الافريقي.. امريكا تعمل بمساعدة السودان على استتاب الأمن في منطقة البحر الأحمر حيث نشط تنظيم القاعدة في السابق، ومن المعروف ان اثيوبيا علاقتها متميزة مع واشنطون..لماذا لا تستغل اديس ابابا هذا التميز للتوسط بين الخرطوم وواشنطن وتطوير العلاقات بينهما.. ؟
– العلاقة مع امريكا معقدة وهناك جهد مبذول في المجال الأمني وهناك تعاون في هذا الجانب واعتقد ان الادارة الامريكية باتت أكثر قناعة بأن السودان لا يرعى الارهاب، لكن هناك عوامل كثيرة تدخل في العلاقة بين السودان وامريكا يعني مثلاً اليمين المسيحي أو ما يسمى بالمحافظين الجدد يلعب دوراً كبيراً في توتر العلاقة بين البلدين.
ان اللوبي الصهيوني هو الأكثر خطورة على السودان، وهناك ما يسمى بـ(البلاك كوكس) أو المجموعة السوداء، وهي مجموعة مكونة من مسيحيين متعصبين، وهناك جمعيات انشأها اللوبي الصهيوني مثل مجموعة انقاذ دارفور (Save Darfur)، وهذه المجموعات كلها تتحكم في السياسة الخارجية الامريكية تجاه السودان وبالرغم من التعاون في المجال الأمني الا أن هذه المجموعات تسيطر على التوجه نحو السودان خاصة اذا وضعنا في الاعتبار ان اليمين المسيحي المتعصب الذي يسيطر على البيت الأبيض سواء كان ذلك في شخص الرئيس جورج بوش الابن أو زوجته او نائبه ديك تشيني، مجموعة المحافظين هي التي تسيطر وهي موجودة في كل المؤسسات سواء كان ذلك في البيت الأبيض أو البنتاجون أو السي آي أيه، هذه المجموعات تسعى لوأد العلاقات السودانية الامريكية، ولست متفائلاً أن يكون الوضع أفضل حتى لو جاء الديمقراطيون للسلطة مرة أخرى بما عرف عنهم من مواقف سابقة ضد السودان، لأن مجموعات الضغط تلعب دوراً كبيراً وانا أعلم علم اليقين ان امريكا حتى الآن غير راضية عن العلاقات المتميزة التي تربط بين السودان واثيوبيا وتحاول عرقلة هذا التطور، فقد حاول روبرت زوليك مدير البنك الدولي ومساعد وزيرة الخارجية الامريكية السابق عرقلة مشروع الربط الكهربائي بين السودان واثيوبيا، لكن اثيوبيا لم تستجب لهذه الضغوط.
اما بالنسبة لتوسط اثيوبيا لتحسين العلاقات بين الخرطوم وواشنطن فأنا أعلم ومنذ ان كنت سفيراً في اديس ابابا ان اثيوبيا بذلت جهوداً مقدرة مع أمريكا في ذلك، لكن الرد الامريكي دائماً ما يأتي سلباً..
* اليست هناك مفارقة ان كان السودان مهموماً في عام 1991 بتحسين العلاقات بين اديس ابابا وواشنطون رغم علاقته السيئة مع الاخيرة…
– الاثيوبيون يعتبرون ذلك من أصالة الشعب السوداني وكريم معدنه وابدى الاثيوبيون اعجابهم، لأن السودانيين لم يربطوا بين مشاكلهم مع امريكا وعلاقتهم المتميزة بأثيوبيا، وبالمناسبة عندما انتهت العلاقة المتوترة بين السودان واثيوبيا قال لي الرئيس ملس زيناوي “اننا أخذنا دروساً كثيرة من السودان فعندما كانت علاقتنا متميزة مع السودان كان السودانيون فعلاً متميزون وعندما توترت العلاقات لم يدفعهم ذلك الى العداء السافر معنا أو الفجور في العداوة بل كانوا حريصين على العلاقة مع اثيوبيا”، وكان دائما ما يردد “اننا تعلمنا من السودان اشياء كثيرة جداً وأن السودانيين كانوا معنا في السراء والضراء ولم يفجروا في الخصومة عندما توترت العلاقات، وكثيراً ما كان يقول ان السودانيين في تسامحهم وطيبتهم (اشبه ما يكونوا بجلابيبهم البيضاء التي يرتدونها) وهم افضل الناس في القرن الافريقي ان لم يكونوا في افريقيا كلها”..
مليس زيناوي وأعضاء القيادة الاثيوبية يتحدثون بالواضح فالرئيس ملس زيناوي لا يتحدث انطلاقاً من علاقته مع الرئيس البشير أو الدعم الاستراتيجي الذي وجده فحسب، ولكنه يتحدث ايضاً عن السودانيين الذين عاش معهم ليس في معسكرات اللاجئين بل يتحدث عن المواطنين السودانيين في القضارف ودوكة والقلابات وودمدني والخرطوم، فقد كان يقول شاركناهم في كل شيء في معاشهم لكنهم لم يتضايقوا منا يوماً واحداً رغم الأزمات التي كان يمر بها السودان آنذاك (فترة السبعينات). لذلك انا على يقين ان المواقف التي وقفتها الانقاذ مع النظام الحالي في اثيوبيا منذ وصوله الى السلطة والدعم المقدم له يجعل من الاثيوبيين يمدحون ويشكرون الرئيس البشير على رؤوس الاشهاد وليس في ذلك سر.
وان هذا النوع من القيادة في اثيوبيا ينبغى ان تجد منا الحرص على دعمها وعدم احراجها لانهم انفسهم محاصرون داخلياً في البرلمان وغيره وكل فترة يواجه رئيس الوزراء ووزير الخارجية في البرلمان بتساؤلات عن مجموعات معارضة فازت في الانتخابات على أساس انها تعمل على تعكير صفو العلاقات بين السودان واثيوبيا.
هذه المجموعات العرقية تعتقد انها ظلت تسيطر على مقاليد الحكم في اثيوبيا منذ عام 1896م. عندما استلم منيليك الحكم واصبح حاكماً واصبح هو ملك الملوك وهناك البعض من شوفينية الامهرا متعصبون، ضد السودان ويعتقدون انه لولا السودان ماحدث التغيير في الحكم عام 1991م ولما جاءت قومية التقراي لسدة الحكم وهذا ليس صحيحاً.
وحقيقة الأمر ان شباب التقراي حاربوا منذ ان كانوا طلاباً في الجامعات وحاربت معهم مجموعات من الامهرا مثل الاتحاد الوطني للامهرا، وهو كان برئاسة اديسو لقسا وهو حالياً نائب رئيس الوزراء، هذا التنظيم شارك في الحرب ضد منقستو، واصبح افراده يتبوأون مناصب كثيرة، تماماً مثلما جاءت الاورومو فقد كانت هناك مجموعة (الاورومو) برئاسة الجنرال عبادولا جمدا، كل هؤلاء انضموا في الميدان لجبهة تحرير شعب التقراي، لكن الاساس الذي بدأ الثورة في العام 1975م 1976م كانوا من طلاب الجامعات (ملس زيناوي وسيوم سفن، اباي ساهاي، سيا ابرهة وزير الدفاع السابق، وكان يقودهم صبحت نقا الذي كان مديراً لاحدى المدارس، وهو من مواليد 1935، وهؤلاء الطلاب بمن فيهم زيناوي من مواليد 1955م وكانوا طلاباً في جامعة اديس ابابا والتحموا بالمزارعين وبدأوا في اقليم التقراي ووجدوا السند من الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، لكن المساعدة الاكبر كانت من السودان، وعليه فإنه لو لم تكن هناك ثورة في اثيوبيا اصلاً ما كان السودان سيعمل شيئاً، ووقتها كان نهجها في ثورة مايو- وانا كنت في جهاز امن الدولة- مدير الأمن الخارجي، كان يجب ان ندعم هذه الجبهات لان منقستو كان يدعم الحركة الشعبية، فكان السباق على أشده ايهما يسقط اولاً، الخرطوم ام اديس ابابا، كان ذلك هو الرهان وقد كسبه السودان عام 1989 وبهذه المناسبة الحركة الشعبية كانت في اثيوبيا آنذاك ومنتشرة في المنطقة من قمبيلا إلى بني شنقول ومناطق الكرمك، وكانت الحركة معنية بالدفاع عن هذه المناطق..
الحركة الشعبية كانت اقوى من المعارضة الاثيوبية والنظام هناك كان متهالكاً وجيش منقستو كانت قياداته من الامهرا لكن قاعدته من ضباط الصف والجنود كانوا من الارومو، ولما شعر هؤلاء انه ليست لديهم مصلحة في الحرب، بمن فيهم الجنرال عبادولا جمدا قاموا بالتسليم لجبهة تحرير شعب التقراي.
خلاصة الأمر ان النظام في اديس ابابا كان مهترئاً اكثر. وكان يقاتل في جهات متعددة.
* الموقف في الصومال صار معقداً بعد دخول اثيوبيا ويقول البعض ان اثيوبيا دخلت بإيعاز من امريكا…ما هي رؤيتك وكيف هو المخرج..؟
– قضية الصومال مافي شك انها معقدة ومن اصعب القضايا الموجودة في القرن الافريقي، من عام 1991م بعد انتهاء نظام سياد بري، بدأت الخلافات بهذه الطريقة المأساوية..
انا احد الذين زاروا الصومال عام 92- 1993م وقد كنت امثل السودان في لجنة كونها رؤساء قمة ايقاد في اجتماع بأديس ابابا عام 1992م، (اللجنة الدائمة لمتابعة الوضع في الصومال)، تضم سفير من اثيوبيا وسفراء السودان وجيبوتي وكينيا ويوغندا واريتريا في اديس ابابا، وقد تصادف ان كنت في هذه اللجنة وزرنا الصومال واجتمعنا بالسيد عيديد الأب وعلي مهدي محمد واجتمعنا بالقيادات في هاتيس في الشمال وكسمايو في الجنوب وغربها.
انا اعتقد ان مشكلة الصومال اساساً هي في الصوماليين انفسهم، حيث يشتد الصراع القبلي.
وقد فوجئنا وقتها بالصراع المستحكم في مقديشو بين الجنرال محمد فرح عديد- عليه رحمة الله وعلي مهدي محمد مع العلم انهما من قبيلة الهوية (علي مهدي كان من الابقال وعيديد كان من الهيرقدر).
انا اعتقد انه ومثلما قال الجنرال محمد فرح عيديد ذات مرة في اجتماع باديس ابابا، قال ان حل مشكلة الصومال هو ان يتم وضع كل قادة الصومال في مركب صغير ويدفع بها في المحيط).
تطورت المسألة الصومالية وعقدت عدة اجتماعات في اديس ابابا والخرطوم ونيروبي وجيبوتي والقاهرة.. إلى ان جاءت المحاكم الشرعية..
بالمناسبة ان الحكومة الاثيوبية لم تدخل الصومال بتوجيه من امريكا، اثيوبيا هي التي اخذت المبادرة ودخلت، حدود اثيوبيا مع الصومال تصل إلى (2500) كلم، كل القبائل الصومالية موجودة في الاقليم الخامس في اثيوبيا المسمى (الصومال).
لكن الاثيوبيين حسب ماذكر احد الامريكيين في مركز دراسات الشرق الأوسط وافريقيا في ندوة مفتوحة، ان امريكا حذرت اثيوبيا من التدخل في الصومال، ولكن عندما وجدوا ان المسألة صارت امراً واقعاً تدخلت امريكا ودعمت اثيوبيا واصلاً امريكا لديها نوايا تجاه الصومال.
الاثيوبيون فوق ذلك يعتقدون ان اقليم الصومال يهمهم، فالمحاكم الشرعية بدلاً عن تركيز سلطتها جنوباً اتجهت نحو الحدود الاثيوبية واعلنت من هناك انهم سوف يصلون إلى اديس ابابا، وانا اعلم علم اليقين ان هناك من اوصى المحاكم الشرعية ان النظام في اثيوبيا واهن ومهترئ وانهم بوسعهم الوصول إلى اديس ابابا بسهولة، واعلم علم اليقين ان هناك اجتماعات تمت في دولة عربية بمبادرة من السودان وشارك فيها مسؤولون على مستوى عالٍ من الأمن في السودان ومسؤولون في الأمن الاثيوبي، على زعم ان المحاكم الشرعية سترسل مندوبين أساسيين للمشاركة، لكنهم ارسلوا اليهم مندوبين من الصف الثالث وهذا كان بناءاً على توجيه من دولة ثالثة.. هذه هي الاسباب الاساسية التي أدت الى تفجر الأوضاع.
وليس صحيحاً ان اثيوبيا هي دولة مسيحية لذلك قامت بشن الحرب على المحاكم الشرعية التي تتبنى الشريعة الاسلامية، لان النظام في اثيوبيا علماني لا يعترف بالمسيحية أو الاسلام وقد تم وضع ذلك في الدستور، إن اثيوبيا دولة لا دينية، على العكس مما كانت في السابق، ففي عهد الامبراطور السابق هيلاسلاسي ذكر الدستور صراحة على ان اثيوبيا دولة مسيحية وان المسيحية هي الدين الرسمي للدولة، وأن الكنيسة الارثوذكسية القبطية التوحيدية هي الكنيسة الاساسية والرئيسية والامبراطور نفسه هو راعي الكنيسة، اما حكومة ملس زيناوي عندما جاءت نصت على ان الدولة لا دين لها وهي علمانية ولا ينبغي لاي شخص اكراه اي شخص آخر على الدخول في دينه واذا فعل ذلك يحاكم بنص القانون.
قائد الجيش الاثيوبي جنرال اسمه محمد يونس، مشهور باسم ساموا، والاقليم الصومالي الاثيوبي فيه حكومة اقليمية وبرلمان منتخب وفيه وزراء من الحكومة المركزية منهم محمود درير وزير السياحة والثقافة ولديهم ايضاً سفراء، فاثيوبيا مسالة الصومال بالنسبة لها مسألة امن قومي لأن لديهم حوالي 4-5 ملايين صومالي.
وانا لست من المدافعين عن دخول اثيوبيا في الصومال على الاطلاق، لكن انا ضد ان تكون تدخلات من دول اخرى وضد ان يصبح الصومال مسرحاً لبعض دول الاقليم للاحتراب فيه او تصفية الحسابات على ارضه وعلى حساب شعبه.
والاثيوبيون في كل مجال يقولون ان مسألة الصومال هي مسألة امن قومي..
* إذن ما دور الاتحاد الافريقي في حل المشكلة..؟
– الاتحاد الافريقي ارسل قوات وهو ملتزم برأي الحكومات، وما دامت هناك حكومة في الصومال هي حكومة عبدالله يوسف فالاتحاد الافريقي يتعامل معها.
واعتقد ان الحل يكمن في مؤتمر مائدة مستديرة يجلس حولها كل الصوماليين، بعيداً عن تدخلات الدول الأخرى، فالمشكلة التي حدثت بين اريتريا وجيبوتي اخيراً اثرت على الصلح في الصومال لذلك اعتقد يجب ان يكون هناك مؤتمر مفتوح تتبناه الجامعة العربية لحل المشكلة الصومالية.[/ALIGN] السوداني