الزواج يوحد شمال السودان وجنوبه !

لم يمنع اختلاف التقاليد والعادات بين شمال السودان وجنوبه حتى بين أبناء الديانة الواحدة- الكثير من الشماليين من الاستقرار في الجنوب والزواج من جنوبيات، بعضهم وصل إلى المنطقة في السنوات الأخيرة فقط، وآخرون وجدوا أنفسهم متجذرين فيها منذ عقود، بسبب حراك اجتماعي جرى عكس مجرى السياسة.

ولا يمكن الحصول على تعداد دقيق لعدد هؤلاء السودانيين الذين اختاروا العيش في الجنوب، وذلك بسبب قدر كبير من التلاحم الاجتماعي والتداخل العرقي الذي حصل بعد زواجات كثيرة، ولكون المؤسسات الحكومية التي زرناها في الجنوب لا تتوفر لديها بيانات دقيقة في الموضوع.

بعض أبناء المنطقة يرجعون هذا التداخل الاجتماعي إلى عقود طويلة مضت ويقولون إنه جاء مع تجار الشمال الذين وجدوا في أسواق الجنوب ضالتهم، مؤكدين أنه لم يخضع للتقلبات السياسية التي عرفتها المنطقة باستمرار ولم يتأثر بها.

لتعارفوا
مدير فرع شركة مارسلاند للطيران بجوبا أسامة عباس يؤكد للجزيرة نت أنه اشتغل في أغلب مدن ومناطق الجنوب وخبر الحياة فيها، إذ قضى عشر سنوات بالجنوب وتزوج جنوبية في 2005، عام توقيع اتفاقية السلام الشامل، التي أنهت أكثر من عقدين من الحرب الأهلية.

“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، آية من القرآن الكريم لم يجد أسامة خيرا منها ليجيبنا عند سؤاله لماذا اختار زوجته من جنوب السودان رغم اختلاف العادات والتقاليد.

ويضيف أسامة “إخواننا في الجنوب بسطاء جدا وطيبو المعشر، وهذه طبيعة الشعب السوداني كله، لكن السياسة أضرت بنا كثيرا للأسف وولدت بيننا فتنا وأحقادا لا قبل لنا بها”.

ولما سألناه هل يتوقع مشاكل إذا قرر الجنوبيون الانفصال عن الشمال في الاستفتاء الذي سينظم في يناير/كانون الثاني المقبل، أجاب بثقة كبيرة بأنه لا يخشى شيئا مهما كانت هذه النتيجة لأنه “من الناحية العملية هناك ما يشبه انفصال الجنوب فله حكومته الخاصة وقوانينه”.

عباس: الانفصال سيؤدي إلى دولتين بلا حدود (الجزيرة نت)

ولأسامة نظريته السياسية الخاصة بشأن نتيجة استفتاء تقرير مصير الجنوب، فهو يرى أنه حتى في حال الانفصال فإن شمال السودان وجنوبه سيكونان “دولتين متجاورتين بغير حدود”، أي أن الانفصال سيكون سياسيا فقط ولن يكون له تأثير على بنية المجتمع.

رابطة أقوى
أما أمين عكاشة، الذي استوطنت عائلته الشمالية جنوب السودان منذ مائة عام، وتزوج الكثيرون من أفرادها نساء جنوبيات من قبائل مختلفة، فيقول للجزيرة نت “شاركنا مع إخواننا الجنوبيين في السراء والضراء، وأنا شخصيا اعتقلت عام 1981 لمدة 13 شهرا لأني وقفت ضد تقسيم الجنوب، وشاركت مراقبا لاتفاقية نيفاشا لتسعة شهور”.

ويضيف أنه لا فرق عنده بين أن ينفصل الجنوب أو يظل موحدا مع الشمال، لأن “رابطة الدم أقوى من رابطة السياسة، ولأن السودانيين تعودوا على التعايش بعضهم مع بعض على اختلاف أعراقهم ودياناتهم”.

من جهتها ترى الطبيبة النفسية والكاتبة الصحفية ناهد محمد الحسن أن “العلاقات بين المواطنين في الشمال والجنوب طيبة جدا، وأن الروابط الاجتماعية التي تجمع بين الناس في الجنوب وفي الشمال لا يمكن أن يقفز عليها أحد”.

وتتأسف لما قادت إليه الخلافات السياسية بين أبناء الوطن الواحد، وهي التي تنشط في منظمة نسوية جمعت بين الشماليات والجنوبيات، وتعد لإصدار كتاب بعنوان “نساء صنعن السلام”.

وتقول ناهد في حديث للجزيرة نت إنها كانت في فترة سابقة مستقرة بمدينة واو في جنوب السودان، وكانت الشمالية الوحيدة التي تعمل متطوعة في منظمة فرنسية تقدم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، ولم تشعر قط “بغربة ولا نفور ولا عداء”.

كما تتأسف لأن شمال السودان وجنوبه في نظرها “لم ينالا الفرصة الكافية بعد اتفاقية السلام من أجل تهدئة النفوس للوصول إلى السلام الكامل”، ولأن الساسة “غالبا ما يسعون وراء مصالحهم حتى لو كانت ضد مصالح الشعب، مؤكدة أنها لا تبرئ في ذلك المسؤولين الشماليين ولا نظراءهم الجنوبيين.
الجزيرة نت

Exit mobile version