هذا المشهد الصغير قد يتكرر ملايين المرات مع الكثير من الأمهات الشفقانات والمتنازعات مابين الخشوع في الصلاة وبين متابعة مشاغبات الأطفال التي لا تحلو لهم إلا أثناء أداء الأمهات للصلاة، ففي صغرنا كانت هناك سيدة من غرب أفريقيا تقوم بغسل الملابس لأهل الحي وهي تصطحب معها أطفالها الصغار، كنا نجتمع لمراقبتها أثناء أدائها للصلاة فقد كانت تحمل صغيرها الرضيع على كتفها، وتضع الآخر على الأرض أمامها، بينما يلعب الأثنين الأكبر سنا بالقرب منها، وما أن تقيم الصلاة حتى يحمى وطيس الشجار بين أطفالها وتعلو صرخات الرضيع فتزيح عن صدرها الجلباب ليرضع وهو على كتفها، وعندما تنحني للركوع تحمل (الشبشب) الى فمها وتشير به لاخوته المتشاجرين إشارات تحمل معنى (الليلة استنوني)، ثم تزيح الجالس أمامها قليلا لتضع بجواره الرضيع قبل أن تسجد.
– كانت حاجة (سكينة) قائمة تصلي في خشوع وتدبر، حينما تبدد تركيزها نتيجة نشوء جدال بين ابنتيها الشابتين اثر اختلافهن على ما يلبسن عند ذهابهن في زيارة لإحدى الصديقات، قالت إحداهن للأخرى : أنا بلبس التوب اللبني وإنتي ألبسي توب أمي البني.
أثار كلام الإبنة غضب حاجة (سكينة) فعبرت عن غضبها ورفضها للفكرة بهزة من رأسها أعقبتها بزمجرة قوية من حنجرتها: ها هأأ !!
ثم واصلت في صلاتها (زي الماحصل شي)، عرفت البنت مرام أمها فغيرت رأيها وقالت: خلاص إنتي ألبسي التوب اللبني وأنا بلبس توب أمي الأخضر .
هزت الحاجة رأسها هزة أشد من الأولى وزمجرت: هاهأأ!!
ثم ركعت في خشوع .. اغتاظت الإبنة من رفض الأم لإقتراحاتها ومقاطعتها لها بالزمجرة فقالت في محاولة لإيجاد حل ثالث:
طيب ألبسي إنتي توب أمي الأخضر وأنا حا ألبس توب أمي الجديد البنفسجي
لم تتمالك الحاجة نفسها فصاحت بشدة:
بكُتِلِك!!
ثم واصلت فى صلاتها وسط ضحكات ابنتيها.
– أما (الرتينة) شبة الوزّينة فقد كانت منهمكة في صلاتها عندما نشب شجار بين إبنها وأخته، بعد أن تنازعا على ثمرة مانجو فقام الولد باختطاف (المنقة) من يد شقيقته واندفع جاريا .. انفجرت البنت في البكاء فأصابت الرتينة (اللخمة) والتفتت للإبن وانتهرته بصرامة:
أدّها منقتا يا ولد!!
ثم واصلت في الصلاة عاآآدي.
– قد يكون عذرالنساء في انشغال البال أثناء الصلاة بسبب لخمة العيال، ولكن بالمقابل نجد أن أكبرمشتتات الذهن عند الرجال هي مشقة السعي لكسب العيش والشيكات الطايرة والحسابات الفارقة بين المدخول والمنصرف، وربما كان السبب اتخاذ بعضهم فسحة الصلاة للسرحان خلف (غنم ابليس)، فعندما جلس المصلون في زاوية الحلة الجلسة الاخيرة من صلاة العشاء، سرح الشيخ الأعمى حاج (مختار) خلف غنم ابليس وتاه فكره بعيدا وراء هموم الدنيا أم قدود فنسى الزمان والمكان، وفجأة انتبه على صوت الامام وهو يختم الصلاة بصوت جهوري (السلام عليكم ورحمة الله)، فحسب حاج (مختار) ان الامام يقف ببابه طالبا الاذن بالدخول فرحب به بصوت عالي قائلا:
وعليكم الســـــــلام والرحمة يا حاج مضوي .. تعال خش لي جاي !!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com