صورة المرأة في وسائل الإعلام، خاصة الإعلام السوداني، أخذت أشكالاً وصوراً نمطية لفترة قريبة وما زالت، حسب تحليلات النُقاد. وبدأ ظهور المرأة في الفضائيات كعارضة يمتلئ وجهها بالماكياج في تقديمها لبرامج يعدها لها رجل لظروف عديدة، فرضها واقع عقيم. والسؤال المركزي الذي كان ولا يزال يحرك الجهود الفكرية والاجتماعية والسياسية المتعلقة بالمرأة والإعلام، لا يتعلق أساسا بطبيعة المخرجات الإعلامية التي تقدم المرأة في أطر سلبية فقط، بل يدور في معظمه حول العوامل والمتغيرات السياسية والاجتماعية التي تقود لبناء تلك الصورة السلبية.. فماذا عن المرأة في الإعلام السوداني بالتركيز على الإعلام المسموع؟؟
دراسة: وسائل الإعلام مرآة لظاهرة تنميط المرأة وتكريس أنها أقل من الرجل!!
مدير البرنامج العام بالإذاعة القومية: لا يمكن تصميم رسالة إذاعية اتصالية ما لم تتصف بالمفهومية والتوافق
ناقد مسرحي: لا بد من وعي الكُتاب بالنوع حتى لا يكرس لإشكال اجتماعي
تحقيق: صفية الصديق
مُجتمع ذكوري..
في ورشة لمؤسسة فريدريش آيبريت بالتعاون مع الإذاعة السودانية ومركز الألق للخدمات الصحفية قدمت الدرامية سعاد محمد الحسن (نماذج درامية) عن تنميط المرأة في الإعلام، وعن محاولته لتغيير الصورة، بادئة بأن المرأة منذ الدراما الإغريقية، وفي أعياد الحصاد كان الرجل يرتدي الأقنعة والمرأة متفرج، وأول ممثل برز كان رجلاً، مروراً بمسرح شكسبير، حيث كانت المرأة إما شريرة أو ساحرة (ديدمونة) تحيك الحيل والمؤامرات، وقد كان دورها سلبياً. وفي الدراما العربية كانت شخصية المرأة هي المتسلطة. وقد بدأت الإشراقات في الدراما السودانية بعد واقعة حمدنا الله عبد القادر، حيث تحدث عن حقوق المرأة، وهاشم صديق (الحراز والمطر)، ودور المرأة في الدراما يكتبه ويمثله رجال (الفاضل سعيد قام بتمثيل عشمانة وعجوبة الخربت سوبا)، وذلك لأن المجتمع ذكوري والسلطة فيه ذكورية، وقد تكون المرأة متعلمة وأخوها غير متعلم ويمارس عليها تسلطه. لكن منذ التسعينيات، هنالك تقدم، فحتى (الحبوبة) امرأة مثقفة وتعرف حقوقها. وفي مجال العمل الدرامي المرأة صادقة في كتاباتها، لأنها خرجت من المجتمع. والرجل يكتب عن (الحالة الرجالية)، وهنالك قضايا مسكوت عنها. دراما (أولاد الخزين) تحدثت عن منطقة في الشمال، وهذه المنطقة، مهما وسعت أراضيها لا تقدر المرأة أن تطالب بحقها في الأرض عرفاً برغم الحق الشرعي، وحتى حقها في اختيار الزوج مهضوم. لذلك، ما دفعني للكتابة هو الغبن الذي يقع على المرأة في الكتابة الذكورية، وفي مسلسل (هجير الغربة) تحدثت عن المغتربات، أما (حلة بنات سليم) فقد أتتني فكرته عندما ذهبت للولاية الشمالية لـ(5) أيام فقط، وفي ذهني أن هنالك أطفالاً، رجالاً ونساء وكبار سن، لكني وجدت أن القرية قد هجرها الرجال من للمدن، ما جعلني أكتب فيها عن الهجرة من الريف للمدن وما تفرزه من عنوسة، وفوق كل ذلك تحملت المرأة المسؤولية في قرية هجرها الرجال وبنات سليم (واحدة هجرها زوجها وهي شابة وواحدة فيهن غير متزوجة، وهي عانس) حسب وصف المجتمع، وقد قادت دفة التغيير في القرية (ووصلت) قريتها لقرية نموذجية دون وجود رجل. وأنا حالياً في لجنة اختيار النصوص في الإذاعة، وأقول إن المرأة قادرة على العمل، لكننا كنساء عاملات لدينا مشاكل كبيرة..
حساسية نوع..
عندما نتحدث عن النوع ونربطه بالدراما، يربطنا دائماً بالأدوار والتنميط، فالدراما دائماً ما تحاول تجسيد المرأة كربة منزل، كما لم تكن مواكبة للتحولات الاجتماعية، ولم تكن لديها حساسية تجاه النوع، وحتى إذا لم يكن سياق التقديم كربة منزل، تكون طبيبة حتى يلتقيها من يحبها وهكذا.. والحديث للناقد والدرامي السر السيد.. وإدماج النوع مرتبط بالسياسات والتخطيط والتفكير في المؤسسة التي تبدأ من النقاط البسيطة، فمثلاً (صالون حواء) إذا افترضنا أنه قدم أكثر من (300) حلقة واستضاف (5) نساء فقط تعتبر هذه مشكلة. فالحساسية تجاه النوع لا تأتي عبر الصدفة، والفن عموماً والدراما مرتبط بالواقع، لذا لابد من وعي الكتاب بالنوع حتى لا يكرس لمشاكل اجتماعية، ويجب أن تتابع الإذاعة والإعلام ما وصلت إليه قضايا المرأة. وأتت رؤية المذيعة إسراء زين العابدين، قائلةً إن هنالك الكثير من التعقيدات التاريخية التي تكون معوقاً في تناول برامج المرأة في الإذاعة، فدور الإعلام والإذاعة يكمن في التأثير المستمر، ويعمل على التغيير ونشر القيم، ومن هنا تأتي خطورة البرامج المخطط لها. وفكرة (صالون حواء) كانت فكرة عادية في الإذاعة بحيث إن هنالك إشكاليات في طرح القضايا في الوضع السائد وعلاقة الناس بالإعلام النسوي. وهنالك إشكالية في تقديم النساء لأنفسهِنّ وطرح أفكارهنّ كناشطات وسياسيات، ومن هنا بدأ الصالون لكسر الحاجز ووجد الدعم في بدايته، واستطاع أن يدخل في قضايا لم يطرحها الإعلام (العنف- القهر- التعدد) ومشكلته هو أن الناس ما زالت تربط بين الإذاعة والحكومات ومقاطعة الناشطات لها، ولا يمكن أن نقول إننا راضيات عن المرأة في الإذاعة، لعدم إدراك القائمات بالعمل الإذاعي لحقوق المرأة، لذلك لابد من رفع الوعي بقضية المرأة، ولابد من الاهتمام بنوعية النساء في التخطيط البرامجي والتدريب..
معايير مغلوطة..
تقول دراسة للدكتورة حنان يوسف، إن هنالك استنتاجات مهمة ترى أن إصلاح صورة المرأة في الإعلام هي عملية متعددة الجوانب والأبعاد، وبالتالي فهي متعددة الحلول والأطروحات. فهي ظاهرة تمتد جذورها في القيم والتقاليد الاجتماعية الموروثة التي لا تنظر للمرأة على أنها كيان إنساني واجتماعي مكافئ للرجل، مثلما أنها مشكلة ثقافية أفرزتها الظروف الاقتصادية التي تواجه المرأة في المجتمعات، بما فيها انتشار الأمية، وعدم تكافؤ فرص العمل، وتزايد الضغوط لإبقاء المرأة محاصرة في إطار فضاء اجتماعي محدد سلفاً وفق معايير مغلوطة، والأمر يتعلق بالمؤسسات الإعلامية، فهي ليست سوى امتداد لمنظومة اجتماعية ثقافية تراكمت تفاصيلها عبر قرون كثيرة، لتفرز هذا الإرث الاجتماعي والثقافي الذي يحرك اتجاهات المجتمع ويؤطره نحو النساء. وإذا ما أخذنا في الاعتبار ما تقوم به وسائل الإعلام من بناء الوجدان وتشكيل الرأي العام نحو القضايا التي تهم المجتمع، سندرك النتائج السلبية التي ستتمخض عن بروز صورة سلبية لنصف المجتمع في وسائل الإعلام بالنسبة للتنمية في أوجهها المختلفة، ولابد من التأسيس لتشابك أكبر مع الكيانات المؤسسية المختلفة من أجل تحقيق أهداف هذا المشروع. ومن ناحية أخرى، فإن تعقيدات هذه الظاهرة وتشعبها المتنوع هي أمور لا يجب أن تجعلنا نشعر باليأس تجاه الفرص المتاحة للتخفيف من وطأتها، حيث إنه لا يمكن الحديث عن حل سحري لها، بل إن أي توجه للتعامل معها لا بد أن يستند إلى برامج متنوعة القطاعات وبعيدة المدى، تعمل جنباً إلى جنب، بشكل متوازٍ، لرفع مستوى الوعي الاجتماعي بالدور المركزي للمرأة في المجتمع، وتحويل هذا الوعي المتقدم إلى مخرجات إعلامية متطورة، تضع صورة المرأة في سياقها الصحيح بعيداً عن الإثارة والتسليع، والقيم المستهلكة..
سيداو..
لقد كان إطلاق الأمم المتحدة “للعقد العالمي للمرأة” في العام 1975م يمثل واحداً من المعالم المبكرة التي صبغت تعامل المنظمة الدولية مع أوضاع النساء في العالم في قطاعات متنوعة، يعد القطاع الإعلامي أبرزها. وفي العام 1981م اتخذت الأمم المتحدة خطوات أخرى نحو تكريس الاهتمام بدور المرأة من خلال تبني اتفاقية منع كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). ويشير البند الخامس من الاتفاقية إلى مشكلة تنميط صورة المرأة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، داعياً جميع الدول الأعضاء لاتخاذ الإجراءات المناسبة للقضاء على الممارسات المستندة إلى صور نمطية لأدوار الرجال والنساء في العالم المعاصر. ويطلب البند (18) من الدول الأعضاء، تزويد الأمم المتحدة بتقارير دورية حول أوضاع النساء في كافة القطاعات، بما فيها قطاع الإعلام والاتصال. وفي هذا الإطار، وضمن مراجعتها لأوضاع المرأة المصرية، لاحظت اللجنة المكلفة بمراقبة تلك الأوضاع، حدوث تطورات بارزة تخص المرأة في المجال الإعلامي، رغم القلق الذي أبدته اللجنة من استمرار التقديم النمطي للمرأة في وسائل الإعلام، وهو ما يشجع على التمييز ضدها. برامج المرأة في الإذاعة، هي برامج احتفائية صفوية لا تهتم بكل شرائح النساء، وغالباً، فيها وغيرها، ينسب النوع للنساء، لذا لابد أن تعمل- البرامج- على تغيير مفهوم الجمهور حول النوع، كما أن سياسة الإعلام حول التوافق ووحدة الوجدان قد تتعارض مع تطلعات النساء، فهنالك وجهة نظر واحدة، مما يفرز سياسة أحادية، فمسلسل (حلم في حلم) قدم فقط عديلة (النقناقة والنضامة) وحمدنا الله عبد القادر في (خطوبة سهير) قدم المرأة على أنها الضائعة غير المقتنعة (جابت حاجات الجيران عشان تكتمل الخطوبة) كما ذكر النص المسرحي..
اهتمام مبكر..
في حديث دكتور معتصم فضُل، مدير الإذاعة السودانية، في ورشة المرأة في الخطط الإعلامية، قال إن موضوع النوع من الموضوعات المهمة التي تتناولها الإذاعة. وتأتي أهمية الإذاعة كوسيط مهم في السودان ودول العالم الثالث، فبحسب اليونيسيف، فإن أكبر شريحة من المواطنين تتلقى المعلومة من الراديو. وقد جاء اهتمام الناس بالمرأة منذ العام 1947م، فقد اهتمت الإذاعة بتقديم برامج خاصة بالمرأة (ركن المرأة- حبوبة فاطنة وهي شخصية أثرت كثيراً في شخصية المرأة بحيث كانت ترمي لإحداث تغيير في السلوك). فقد كانت (حبوبة فاطنة) تتحدث حول صحة الحامل، وأخذ برنامجها الطابع الحواري، وقد عملت كثير من المثقفات في ذلك الوقت على نشر ثقافة المرأة والروح الوطنية السائدة عبر اتحادات النساء، وساهمت في تقديم مثل هذه البرامج (ثريا أمبابي وفاطمة أحمد إبراهيم). وقد أحدثت هذه البرامج تغييرا في الكثير من العادات والتقاليد (فكرة عدم استحمام المرأة طول فترة الحداد على زوجها). وقد ساهم المنولوج في نقلة نوعية كخطة إستراتيجية في ذلك الحين، بحيث إن السودان بدأ ينهض، وقد عملت المرأة صِنو الرجل، لذا عملت الرائدات لنهضة المرأة..
راديو المجتمع..
في الحاضر ما زالت الإذاعة تقوم بدورها، وقد أصبحت تستقطب عددا من الناشطات في الجامعات والمعاهد. وقد استقطبت عددا كبيرا من المثقفات. واختلفت قضايا المرأة وظهرت قضايا أخرى تُناقش. وقد ازداد الاهتمام بثقافة الجندر وانتشرت وسط البرامج الإذاعية بطبيعة المرحلة. والتطور في العمل الإذاعي يتطلب قدرات معينة لمقدمات البرامج، وهنالك قدرات، وهنالك مناقشات وحوار، وحالياً ظهر ما يُعرف براديو المجتمع، وهو موجود في كل الولايات، وأحدث تغييراً في قضية المرأة. فالمذيعات من المجتمع وينبعن منه. ويناقش الراديو قضاياهن، وقد ارتفعت نسبة تعليم الفتيات في جنوب كردفان إلى 60% بفضل راديو المجتمع، وناقش القضايا المسكوت عنها. وهذا أفرز قيادات نسوية كبيرة. أما في الخطة المستقبلية للإذاعة فنريد الانفتاح على الريف والجامعات، لأن الإذاعة والإعلام لهما دور في تشكيل جيل الجامعات، وبالذات المرأة لابد أن يكون لها صوت مسموع، كما لدينا فكرة التعاون مع الهيئات والمؤسسات (الأحفاد). أما عن وجود المرأة في الجانب الإداري في الإذاعة، فقد كان لها دور قيم، إلا أن برامج النساء كان يعدها رجال وتقدمها نساء ورجال أحياناً (بت قُضيم- الفاضل سعيد)، بحيث لم تكن المرأة حينها قادرة على التعبير عن نفسها، وكان الرجل يُعبر بالنيابة عنها، لكن لم يكن عميقاً في تعبيره لأنها هي الوحيدة القادرة على طرح قضاياها. وقد دخلت المرأة العمل الإذاعي كمقدمة أو معدة برامج، وبهذا أصبحت الأطروحات الخاصة بالمرأة أطروحات عميقة. وفي منتصف الستينيات دخلت المرأة الإذاعة، إلا أنه كان هنالك تخوف من المرأة الإدارية (المكتب يصبح جزءاً من الونسة). وفي السبعينيات دخلت المرأة في العمل الإداري في الإذاعة (رئيسة المذيعين صفاء محمد وقبلها عفاف صفوت- سكينة عربي رئيسة قسم الثقافة). وقد وصلت المرأة لهذه المرحلة في الإذاعة في وقت لم تعمل فيه المرأة في المؤسسات الأخرى سوى على الطابعة، فالمرأة لديها قدرات إذاعية وإدارية. وخطتنا تدريب أكبر قدر من النساء، باعتباره أمراً مطلوباً. والعمل الإداري لا ينفصل عن العمل الفني.. (والحديث لدكتور معتصم فضل)….
مفهومية توافقية..
مدير البرنامج العام بالإذاعة السودانية صلاح فضل الله، تحدث عن الخطط البرامجية الخاصة بالإذاعة، قائلاً: التخطيط البرامجي بالنسبة للرسالة الإذاعية للمرأة والرجل صعوبته تكمن في تكوين الرسالة. والسياسات لا تنفك عن التخطيط ورسم الخطوات، إذ لا يمكن أن نصمم رسالة إذاعية اتصالية ما لم تتصف بالمفهومية والتوافق. والمفهومية تعني الفهم العام، والتوافق يعني أن تتوافق مع الإرث والتقاليد والثقافة. وبهذا المرتكز تُرسم الخطة البرامجية، وأية رسالة لا تُبث إلا إذا كانت نابعة من المجتمع بعمق ودراية وخطة بثلاثة مرتكزات: خلق أمة سودانية موحدة متمدنة متحضرة تنظر للمرأة والعقل- اللون- الجهويات. والخطة الإذاعية المتميزة تأتي من خلال البرامج اليومية بكل ما يتعلق بالهوية السودانية، والغرض منها رفع الوعي ومعرفة الحقوق والواجبات في الدائرة الموجود بها المستمع. والإذاعة بالذات تعمل على إيصال أن تصبح المرأة متعادلة مع الرجل في الحقوق والواجبات. وهنالك برامج كثيرة عن محاربة التمييز ضد المرأة بتقديم رسالة ضمنية داخل البرامج دون الإشارة إلى أن هذا تمييز. بعده ظهر (صالون حواء)، وخلق حركة مطالبة كبيرة بمساواة الرجل والمرأة، وبعدها أتى برنامج (مايكروفون الإذاعة) الذي دخل لمعسكرات والتقى بالمرأة، وتحدثت الإذاعة عن الحكّامات ودورِهنّ الإعلامي في الإخبار كمدخل ثقافي، وإبراز دور المرأة كنموذج (المرأة الحديقة)، وقد حاولنا حل الأزمات حول المرأة عبر صوت المرأة، ونرمي لإبراز مقدراتها.
صحيفة الاخبار