الخرطوم… باريس وسياسة شد الحبل

[ALIGN=JUSTIFY]ظلَّت العلاقة بين الخرطوم وباريس تتأرجح شداً وجذباً بين الطرفين وفق تطورات الأحداث في ملف قضية دارفور، وتتأثر أيضاً سلباً وإيجاباً حسب تيرمومتر العلاقة بين السودان وتشاد.. الى جانب التقارب الكبير الذي حدث بين باريس ولندن وأمريكا في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، فتغيَّرت نظرة السودان تجاه فرنسا باعتبار أن أمريكا وبريطانيا قادتا من البداية سياسة معادية للإنقاذ، وعقَّد الامر أكثر احتضان فرنسا لعبد الواحد محمد نور أكبر الرافضين للسلام والتفاوض مع حكومة الخرطوم.. وفوق هذا وذاك القرار (1593) الذي قدمته فرنسا لمجلس الأمن لمحاسبة المتورطين في حرب دارفور، الذي تطور فيما بعد بطلب المدعي العام للمحكمة الدولية للرئيس السوداني نفسه كمتهم في جرائم بدارفور .

لكن التوتر بين البلدين خرج يوم الخميس للعلن لأول مرة وبدا أكثر وضوحاً وذلك عندما هاجم الرئيس عمر البشير ولمرتين على التوالي خلال زيارته لولايات دارفور الثلاث دولة فرنسا بحضور سفيرتها في الخرطوم كرستينا بيشون التي كانت ترافقه في الزيارة الى جانب عددٍ آخر من ممثلي البعثات الدبلوماسية، وقال إنها لا تريد سلاماً في دارفور، وأضاف أمام حشد جماهيري كبير في ميدان عام بحاضرة ولاية غرب دارفور الجنينة أقرب مناطق دارفور للحامية الفرنسية بشرق تشاد، أن فرنسا غير مهيأة أصلاً للحديث عن السلام في السودان وهي التي قتلت مليون شهيد في الجزائر وحاربت (12) عاماً في دار مساليت، وأضاف أنها لا تدعم السلام في دارفور الى جانب منعها لعبد الواحد محمد نور للانضمام للسلام.. وبعد ساعات من حديث البشير عممت السفارة الفرنسية بياناً صحافياً تعلن فيه (التزامها بموقفها الثابت في دعم الجهود كافة من أجل حمل الأطراف سواء الحكومة أو قادة الحركات للتفاوض). وركز البيان على (أن الحل السياسي الوحيد يكمن في إيجاد حل مستدام لأزمة دارفور). وأشار البيان الى (نية فرنسا واستمرار سعيها في هذا الاتجاه).

وحسب المراقبين فإن باريس تريد أن تقول إنها تسعى لحل المشكلة وتأمين الأمن والاستقرار. وفي ذات الوقت حمل البيان ما يعني إلتزامهما بقرارات المحكمة الدولية بشأن الحرب في دارفور.. وتأكيداً لهذا الاتجاه أمَّن البيان على (دعم الحكومة الفرنسية للوسيط المشترك للأمم المتحدة الافريقي جبريل باسولي).. وحرص ذات البيان على التنبيه لأن (توقف العنف والهجمات أياً كان مصدرها ونشر القوات المشتركة بدون عراقيل والعمل على عدم الإفلات من العقاب عناصر لا غنى عنها من أجل عودة السلام والأمن في ربوع دارفور).

وعبرت السفارة في ختام البيان عن اسفها من الاتهامات التي وجهت لحكومة فرنسا -دون ذكر لحديث رئيس الجمهورية صراحة – بلغة دبلوماسية اختارت لها السفارة ذيل البيان رغبة منها في تهدئة الموقف مكتفية بعد الأسف بأنها- اي الاتهامات لا تستند على اساس (ولن تجدي في التقليل من مسؤولية الفرقاء السودانيين في البحث عن السلام..).

التصعيد السوداني المفاجيء لفت النظر لأن الحكومة قبل شهرين رفضت إتهامات صحافية بمشاركة فرنسا في دعم الهجوم على أم درمان وهي دفوعات بدت غريبة لأن الحكومة حينها اتهمت قوة دولية دون أن تسمها بدعم الهجوم، ويقول المراقبون إن التصعيد المفاجيء جاء في أعقاب رصد موقف فرنسي متسارع.

وكان سبق ان افادت مصادر صحافية عن تنسيق مشترك بين لندن وباريس للتعامل مع قرار اوكامبو ضد الرئيس البشير، حيث ألمح ممثل فرنسا في الامم المتحدة السفير جان موريس ربيير الى إمكانية تجنب اصدار لائحة اتهام ضد الرئيس البشير اذا ما تم تسليم كل من الوزير احمد هارون وعلي كوشيب اللذين قدمت المحكمة الدولية ضدهما اتهامات رسمية العام الماضي بشأن دارفور، وقابلت الحكومة الامر برفضٍ صارخٍ على لسان رئيس الجمهورية الذي اكد بعد تصريح السفير الفرنسي مباشرةً رفض الحكومة تسليم اي سوداني لمحكمة خارجية.

مراقبون ومحللون يقللون من الدور الذي يمكن ان تلعبه فرنسا في إنهاء الازمة مع المحكمة الجنائية الدولية، خاصة ان القرار الذي قاد اليها كان مقترحاً من فرنسا، كما ان الحكومة منذ فترة لا تبدي حماساً للمقترحات الفرنسية ولم تنس تواجد عبد الواحد محمد نور في فرنسا وفشل باريس في حمله للمشاركة في مفاوضات سرت.

المقترح الجديد المشترك بين فرنسا وبريطانيا قطعاً سيؤثر سلباً أو إيجاباً في العلاقة بين البلدين سواء في اتجاه مزيد من التوتر او الانفراج. والأول هو المرجح لدعم مذكرة أوكامبو، الى جانب تحركات محمومة لإبقاء ملف دارفور في يدها بعد زيارة عبد الواحد لأمريكا التي لم يعد منها حتى الآن.

ولا يتوقع المراقبون أن تكون المقترحات الفرنسية البريطانية التي حملها وزير الخارجية دينق ألور ذات جدوى، فالحكومة قد قررت وضع كل أوراق فرنسا في دارفور على الطاولة والتعامل معها بخشونة.
اميرة الحبر :الراي العام [/ALIGN]

Exit mobile version