لفترة طويلة ظللنا نتحسر على ضعف الأفكار الإعلانية الجاذبة للمواد السودانية بمختلف محاولاتها، وتأسفنا لهجرة المصانع والشركات للخارج للترويج لمنتجاتهم بأفكار لا تتماشى مع تقاليد وعادات مجتمعنا، بل للأسف الشديد استخف عدد منها بالإنسان السوداني وخاصة بنسائنا، فكل ما أشاهد دعاية إحدى شركات الدهانات التي تكررت بمشاهد مختلفة تحت مسمى «خديجة» التي تشاهد الدهان الجديد عند جيرانها فتقع من البلكونة عدة مرات من شدة دهشتها وانبهارها من ألوان الدهانات.. فمن أوهم أصحاب هذا الإعلان بأن هذه هي الطريقة المثلى لمخاطبة حواء السودانية الرزينة والقنوعة؟.. وهل نساؤنا فارغات العقول لهذه الدرجة حتى تتم مخاطبتهن بهذه الصورة الرخيصة..؟.. فسبحان الله فإذا أوقعها مشهد الدهانات فماذا يفعل بها الأكبر من ذلك..؟.. فمتى تُقدَّر حواء السودانية بإعطائها حقها كاملاً دون الاستخفاف بها بأي شكل من الأشكال.
أصبحت أفكر بصورة مستمرة حتى جال بخاطري سؤال مهم جداً كيف فات مثل هذا الإعلان وغيره على القائمين على أمر الرقابة، وخاصة الإعلان الأخير للترويج لأحدى شركات الشاي، فأقل ما يمكن أن أصفه به أنه يتضمن سلوكاً غير سوي لا يشبه الأسر السودانية، ولا أي مجتمع نظيف ومعافى وذلك يتمثل في ترسيخه لمبدأ السرقة عند الأطفال، فكيف لطفل يتخفى لسرقة الذهب من خزانة والده الذي ألقى القبض عليه متلبساً، وسأله عما يريد لعله ينكر فعلته ولكنه خذله برده بأنه يريد الذهب المدسوس في الخزنة، فيبتسم الأب ابتسامة بلهاء ويقول لابنه تعال أديك الأغلى من الذهب وهو يقصد علبة كبيرة مليئة بالشاي ويوصيه عليه لأن والده أوصاه عليه.. فسبحان الله ألم يوصك والدك بشيء سوى هذا الشاي..؟.. وأين اختفت الأخلاق والقيم الفاضلة والتربية السليمة التي أوصانها بها رسولنا الكريم..؟.. وكيف نفسح لمثل هذه الإعلانات الهدامة المساحات في قنواتنا الفضائية خاصة وأن المجتمع عموماً يتعلم من كل ما يعرض ويتأثر به إيجاباً وسلباً.. فلمصلحة من تنشر مثل هذه الأنماط السلوكية الدخيلة والمريضة التي لا تشبه تعاليم ديننا الحنيف ولا عاداتنا وتقاليدنا..
نحن لا نقف ضد الإعلانات بل نشجعها ونشجع إنتاجها داخلياً بأفكار سودانية سليمة تتماشى مع عاداتنا وتقاليد مجتمعنا بعيداً عن هذا (الدرك السحيق) الذي نشاهده، كما يتوجب وضع رقابة لصيقة عليها وعلى طريقة عرضها، وتشارك قنواتنا الفضائية أيضاً لضبط هذا الهرج حتى توصل رسالتها بصورة سليمة وحتى لا ينصب كل هدفها في التكسب المادي فقط بأي شكل من الأشكال..وأخيراً من يوقف هذا الإعلان وغيره ويفتح الباب لإنتاج إعلانات جديرة بالمشاهدة والاحترام..
آخر لحظة