ربي يا خايبة لـ الجايبة

[ALIGN=CENTER]ربي يا خايبة لـ الجايبة[/ALIGN] البعض من أمثالنا (حمالة أوجه) تصلح للاستخدام في أكثر من معنى، ومنها ما يذكر على عدة روايات يحتفظ في كل مرة بـ (سجع) السياق ويختلف المعنى المراد به بإختلاف المفردة، كما الحال في المثل الذي يقول (ربّي يا خايبة للجايبة)، فقد صادفت نفس المثل بصيغة ثانية تقول (ربّي يا خايبة للغايبة)، والسياق الاخير يحمل المثل لمعنى آخر بعيد كل البعد عن المعنى الأول ..
الصيغة الأولى – المعتمدة عندي – يدور حول عادة من عاداتنا الأصيلة التي تحض على التراحم والترابط والمودة بين الاهل زمان، فقد كانت المرأة التي تنجب العديد من الابناء والبنات، تجود بواحد من هؤلاء الابناء على شقيقتها أو شقيقة زوجها اذا حرمن من نعمة الانجاب، وقد تدفعه دون منّ أو أذى لوالدتها أو نسيبتها إذا ما كبرت في السن وتفرق من حولها الابناء بالزواج، ليؤانس وحدة جدّته ويصير لها يدا تعينها على قضاء الحوائج وساقا تمشي لقضاء مراسيل الدكان، فكان من العادي أن تسمع بأن فلانة (دافعنها) لي خالتا أو فلان قاعد مع حبوبتو عشان يتقّلا أو علان مربياهو عمّتو ..
هذا التراحم الجميل الذي يجعل الأم تدفع بفلذة كبدها وجنا حشاها بكل طيب خاطر، لمن تحتاجه من أهل قرابتها الاقربين، دون أن يطرف لها جفن أو (يفر) لها قلب، كان فيه الكثير من عظمة الايثار المصحوب بالثقة، في أن من سوف تأتمنها على ابنها أو ابنتها ستكون له بمثابة الأم، وانها سوف ترعاه وتقوم بشأنه كقيامها هي ما لم يكن أكثر ..
بالمقابل نجد أن محبي السوداوية الذين لا يرون من القمر سوى جانبه المظلم، يبخسون من شأن تلك العلاقة الجميلة ويستكثرون جهد التربية وعنت التنشأة في من لم يخرج من (البطن) ، لذلك جاءت صيغة المثل لتذم هذه البادرة النبيلة، فالمثل هنا يحض المرأة على عدم بذل الجهد في تربية أبناء غيرها، بزعم أنهم ما أن يشبوا عن الطوق ويكبروا حتى يسرعوا بالعودة لأمهم الحقيقية ويتركوها بعد أن أفنت سنوات عمرها في رعايتهم ..
يتنافى هذا المثل (الخائب) أيضا مع قيمّنا التي تحض على تربية الأيتام ورعايتهم ولو كانوا أبناء الزوج، فقد (تُحرّش) زوجة الأب على الامتناع عن تربية أيتام زوجها، بحجة أنها مهما تعبت فيهم فسيظل ولاءهم الدائم لذكرى والدتهم، وسيوجهون كل سخطهم على أبيهم الذي أحضر تلك الغريبة لتحل محل أمهم ..
أما الصيغة الثانية للمثل فـ (أخيب) من سابقتها، فصيغة المثل التي تستبدل كلمة (جايبة) بـ (غايبة)، تحملنا لمنطقة أخرى من مناطق التماس وخطوط النار بين زوجة الابن وأمه، فهنا يقوم المثل بمهمة (تحريش) الأم على زوجة ابنها منذ وجوده في (اللفة)، لأن المثل يذكّرها بأن كل تعبها وسهرها من أجل تربية ابنها سيذهب سدا، عندما تأتي عروس المستقبل وتجد هذا الابن (مستّف) وجاهز للاستلام والترحيل، فعندما تتأبطه تلك الزوجة وتغادر به لبيت الهناء، لا يكون أمام الأم المسكينة إلا أن تتأبط النجم والمساء، وتقنع من خيره ظاهرا وباطنا وتستعوض الله في تعب تربيتها، بل أن (تعفي ليهو شيل حكرها ولبن صدرها) فبزواجه يكون زيو وزي الزول المات واحد !!
تظل (سوداوية) المثل بروايتيه، بعيدة كل البعد عن سماحة وجمال قيمنا السودانية الزمان، فبالمقارنة بين أمهات اليوم وأمهاتنا زمان، نجد أن أم اليوم (مثل الكلبة في جناها) قام بجماعتو وقعد بجماعتو، لا تفرط فيه ولا تتركه حتى ليبت في بيت عمة أو خالة ناهيك عن أن (تدفعوا) ليها عديل .. أنا شخصيا لا أتخيل أن أترك واحدا من عيالي ليغيب عن عيني أو يخرج من تحت جناحي لحظة واحدة .. في كده زي وزي الجدادة واحد ..

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version