تتكرر قصص الحب من حولنا كل يوم فتظهر وتختفي، ولا نتوقف عندها إلا لنقول “ألف مبروك.. وعقبال البكاري”، هذه القصص تدور في قوالب شبه ثابتة، فهي أما نتيجة للتعارف في جلسات الأندية أو المتنزهات أو طرقات الجامعات أو “خروجات” الأصدقاء، أو حتى بالقوالب التقليدية فيما يعرف بزواج “الصالونات”، ولكن أن تولد قص حب وتعيش وتترعرع وسط المظاهرات وحركات الاحتجاج والاعتصام والقضايا الوطنية.. فهذا مشهد لم يعد يتكرر أمامنا هذه الأيام، وإن كان مشهد عادي عاشه أجدادنا قبل 60 عاماً، عندما كان الانجليز يحتلون مصر.
وسيتم مطلع أكتوبر المقبل عقد قران شابين من أعضاء حركة 6 إبريل “محمد محمود وندى طعيمة”، بعدما جمعها لقاء قدري مصادفة في إحدى لقاءات الحركة التي تضم شبابا من محافظات عديدة، وذلك قبل عامين.
محمد وندي الذان يخططان الان لفرحهما، أكدا أنهما سيوجهان الدعوة لكل شباب القوى الوطنية، الذين قرروا من جانبهم ان يقوموا بإحياء الفرح بأنفسهم، ويقول محمد:” الشباب أصدقائنا بيقولوا أنهم محضرين مفاجآت كثيرة.. ربنا يستر”.
وعلى طريقة الفيلم السينمائي “جواز بقرار جمهوري”، قال محمد وندى ان الدعوة لن تقتصر علي شباب القوي السياسية، وانهما سيرسلان برقية لرئاسة الجمهورية لتوجيه دعوة لحضور الزفاف، كما سيوجهان الدعوة لحبيب العادلي وزير الداخلية وإسماعيل الشاعر مدير امن القاهرة، كرد منهما على ما وقع عليهما يوم 6 ابريل وإيضاح الفرق بين أفعال الشرطة وردود أفعالهم، على حد قولهما.
وكما تتطور العلاقة بين كل المتحابين من خلال المكالمات، والأحاديث الرومانسية، والنزهات الهادئة، والتطرق لبيت المستقبل، وأسماء الأطفال، تطورت أيضا علاقة “محمد وندى”، ولكن بالحديث عن حال الوطن والي أي مستقبل يذهبون إليه هم وأولادهم، وتقول ندى لمصراوي :” المظاهرات كانت كلمة السر في علاقتنا، والوقفات السلمية كانت فرصة لتجاذب أطراف الحديث عن كل شئ، وكان حال البلد الشاغل الأكبر لنا.
وعن أول شئ مشترك شعرت انه جمعهما تقول:” حب البلد دي.. مصر” كان اكبر عامل مشترك قرب بين أفكارنا وهوايتنا وأحلامنا لنفسنا، ولبلدنا”.
محمد وندى يعملان بالتنسيق الإعلامي للحركة، تعرفا على بعضهما فى مايو 2008، بعد أحداث ابريل الشهيرة التي أطلقت شرارة حركتهم الشبابية، فكانوا جزء من تجمع شبابي كبير قرر بالنزول إلى ارض الواقع بعيداً عن فضاء الانترنت.
ويقول محمد عن البداية، “أول ما شوفتها حبتها بجد، ولم نستغرق الكثير من التفكير، فاتفقنا بعدها على الجواز، وسارت الأمور بشكل عادي مثلما يحدث في أي بيت في مصر”. ويضيف:” شرطها الوحيد كان ألا امنعها يوماً من ممارسة العمل طالما في حب البلد دي”. وتأخذ طرق الحديث منه ندى وتضيف، “اتفاقنا على استكمالي العمل وأداء الواجب الوطني سوياً” وتضحك وهي تقول:”بس هو اشترط علي ألا اذهب إلى أي فاعلية إلا معه، كما تم في 6 ابريل الماضي”.
توقف محمد قليلاً عن الحديث وراح يتذكر أيام اعتقاله،”ندي جدعة وأصيلة وكان واقفة جنبي أيام اعتقالي بعد احداث حريق حزب الغد”.
ويضيف محمد،” توجيه الدعوة للرئيس والعادلي وغيرهما من المسئولين، لا نقصد بها الضجة الإعلامية، أو استفزازهم، كل ما نريده هو دعوتهم بنية صادقة لحضور حفل زفاف شابين بسيطين من مصر، طحنتهما الدنيا حتى تمكنا بشق الأنفس من أن يوحدا مصيرهما”، وتستكمل الحديث ندي وتقول:” الدعوة رسالة منا لهم.. وهي بمنتهي البساطة “احنا مش عايزين منكم غير مستقبل أفضل لينا وليكم لأطفالنا وأطفالكم.. مستقبل أفضل لكل مصري”.
الأهل في سيناريو محمد وندي لعبا دور ايجابيا، علي غير العادة في مصر في مثل هذه المواقف، التي يلعب فيها الخوف والقلق الدور الأكبر، وكم من قصص مشابهة أفسدها الأهل، بذريعة الخوف علي مصير اثنين مناضلين مثل محمد وندي، ولكن عائلتها كانت تفكر بشكر مختلف، وتقول ندي:” أنا أتربيت في أسرة متوسطة علمتني ان الحق حق.. ولو علي رقبتي، والخوف مش بيولد غير خوف. وتضيف، “أهلي فخوريين بي أنأ ومحمد جداً، لأنهم ذي كل الناس شايفين أن عندنا حق منسكتس عن حقنا وحق مصر”.
وتصدق والدة ندي علي كلامها قاله:” “أنا فرحانة بابنتي وفخورة بيها، فإيجابيتها تسعدني”. وتضيف :” اللي بتعمله ندي حاجة هي مؤمنة بيها وعلي حق فيها، وده أحسن من التفاهة اللي غارقانة فيها الكثير من الفتيات”، وعن رأي والد ندي في عريس ابنته:” “محمد راجل، ويختلف عن بقية الشباب الراضيين بالسرقة والإهانة، ويسبحون فى أمواج من السلبية”.
محمد شاب طموح، ورغم انه يعمل صحفي في جريدة صوت الأمة، إلا انه قرر أن يمارس عمل ليلي في احد محلات التجزئة، ليستطيع توفير متطلبات الزواج، وهو حالياً يسعى مع مجموعة من زملاء في تنفيذ مشروع صغير يعينه على تكاليف الحياة، واحتياجات آسرة المستقبل.
أحلام محمد وندي كثير، ولكن حلمهما الأكبر “زوال الغمة عن البلد” علي حد تعبيرهم، ويحلمان أيضا بإنجاب طفل اختاروا له اسم نضال، وان كانا يتمنيان له أن يولد في عصر ليس فيه نضال، لكي لا يرى ما يرونه هما الان من فساد.
مصراوي