** وهكذا نحن مع لسان حال بعض كبار السياسة و الصحافة منذ أن طالب الفريق سلفا كير أهل الجنوب باختيار الانفصال في الاستفتاء ليكونوا أحرارا ..لسان حالهم أسهب ، ولايزال يسهب في الحديث عن الجنوب مدحا وتبجيلا يعجز عنهما المتنبي وكل شعراء الملوك والأباطرة ، حيث وجدونا غابة من الرياحين فشرعوا يحاضروننا ويصفون الجنوب والوحدة وصفا بديعا لم يقله قيس وجميل في « ليلاه وبثينته » ..ولو كنا على قلب رجل واحد ، لسألناهم بدهشة : متى وكيف عرفتوا الجنوب ..؟..لتكون إجاباتهم الكسيرة : لا والله نحن مابنعرف الجنوب ، لكن في ناس كدة كلمونا عنه .. لنضحك و ..يصمتوا نهائيا ..!!
** المهم ، يا سادة ياكرام ..ما يجب أن يشغل بال الجميع ليس هو الانفصال وكذلك ليست هي الوحدة ، بل مايجب أن يؤرق مضاجع الكل هو : كيف نوفر السلام للمواطن ، شمالا وجنوبا ..؟..فالانفصال – حسب ماجاء في نيفاشا – وسيلة فقط لاغير ليعيش الجنوب بسلام بعيدا عن الشمال وأيضا ليعيش الشمال بسلام بعيدا عن الجنوب ..وكذلك الوحدة الجاذبة – حسب ما وردت في نيفاشا ذاتها – ما هي إلا وسيلة أخرى ليعيش الجنوب والشمال معا بسلام ..وعليه ، ليس من العقل أن نغرق كليا في الوسيلتين ونتناسى تماما الغاية المرجوة ..فالغاية – ياعالم – هي السلام ..ويجب تحقيقها بالانفصال أو بالوحدة ..أي ، ليس مهما بأي الوسيلتين يتحقق هذا السلام ، بل المهم هو السلام في حد ذاته ..أو هكذا يجب أن تفكر العقول حين تخاطب الرأي العام ، بدلا عن التفكير بالقلوب ثم مخاطبة الرأي العام بالأشعار و « الكلام الما جايب حقو » …!!
** ولذلك يجب أن نحترم حديث الفريق سلفاكير..نعم لم يتحدث بما نهوى ، وهذا ليس مهما ، بحيث الدستور لم يمنحنا تقرير ما نهوى ، ولكنه تحدث بما يهوى ، وهذا هو المهم جدا ، لأن الدستور منحه حق تقرير ما يهوى ، قولا وفعلا ..ولم يكن هناك داع للتراجع عن الحديث عبر مدير مكتبه ، فهو لم يرتكب جرما ولم يتحدث فاحشا ، بل تحدث – كأي مواطن جنوبي – عن حق دستوري معترف به عالميا وإقليميا ومحليا ، علما بأن عبارة « العمل على جعل الوحدة جاذبة » لم ترد إلا على هامش ذاك النص الواضح ، وليس في متنه ..ولذلك غض الجميع الطرف عن تلك العبارة في الخمس سنوات الفائتة ، فانتبهوا لها أخيرا في هذا « الزمن الضائع » ..وترديد تلك العبارة والتباكي بها والتغزل عليها ، كلها بمثابة استغفار ولكن بعد سماع صافرة إسرافيل ..حيث لايجدي الاستغفار ..!!
** وإن كان هناك في القوم رشيد ، فيجب عليه أن يحث قومه إلي مغادرة محطة التباكي على الوحدة الجاذبة والمضي قدما إلي محطة التفكير لما يجب عمله بعد « تقرير المصير » ..وإن كان ما بين القوسين مجرد لقب لاسم ما أو دبلوماسية ناعمة لحدث ما ، فمن حق العامة التي لاتحبذ الألقاب ولا تجيد الدبلوماسية أن تطالب – من يهمهم الأمر – بكل وضوح : بالتفكير الجيد والتخطيط السليم لمرحلة ما بعد « الانفصال » ..هذا مايجب أن يشغل أذهان النخب التي لا تدمن الفشل فقط ، بل .. المفاجأت أيضا ..!!
إليكم – الصحافة الاثنين 09/11/2009 العدد 5882
tahersati@hotmail.com