** ذاك نموذج ، ونموذج آخر ..قيادي رفيع بحزب معارض تعامل مع أحد المصارف ، ثم تعثرت حالته المادية قبل أن يسدد ما عليه لذاك المصرف..ولأنه يملك بيتا عريقا بحي عريق ، وضع المصرف يده على البيت ثم أعلن بيعه في مزاد علني ، فتعاطفت معه الصحف أيضا ، بل بلغ التعاطف بالبعض مخاطبة المصرف للتنازل عن المبلغ المتبقي ..ولم تنسَ فى خضم المطالبة تذكير الناس بمآثر هذا القيادي في تاريخ السياسة السودانية ، وكيف انه كان نظيفا ونقيا وورعا وووو و غيره من الصفات الطيبة ..ومع ذلك ، أى مع كل الأماني بأن يفرج الله ضيقه ، كنت أسأل نفسي : ولكن ماذا عن ودائع الناس بالمصرف ..؟..وماذا عن القوانين التي يجب أن تساوي بين الناس فى الحقوق والواجبات ..؟..وهل هذا المعارض الفاضل هو الوحيد المتعثر ، أم أن سجون بلادي ضاجة بالمتعثرين؟ ، ولماذا لانعمم المناشدة بحيث تتنازل كل المصارف لكل المتعثرين (حتى لو إنهارت عن بكرة أبيها)..؟..هكذا أيضا كانت الخيارات تتلاطم شدا وجذبا في بحر السؤال العميق : ماهو الحد الفاصل بين الحق العام الذي يجب أن نعض عليه بالنواجذ والحق الخاص الذي يقبل القسمة والجمع والطرح ..؟
** نموذج أخير أو قل آخر نموذج ..قرأت البارحة مايلي بإحدي الصحف..( لقد تعرضت لعملية سطو بأفريقيا الوسطى وفقدت على إثرها مبلغا يقدر بستين الف دولار ، وأنا لم إختلس هذا المبلغ ) ..هكذا تحدث الناطق الرسمي لقطاع الجنوب بالحزب الحاكم ، عندما أخلت إحدى المحاكم منزله وصادرته لصالح الجهة الشاكية صاحبة المبلغ ، وهى جهة حكومية .. في متن الخبر يبدي القارئ تعاطفا مع حال الأسرة و تحاملا على الجهة الحكومية التي حكمت لها المحكمة ..وهناك شرح تفصيلي لعملية الإخلاء ، بأن الشرطة كانت مدججة بالسلاح وأن الأسرة تضايقت من الإخلاء والرجل لم يتختلس كما قالت المحكمة ووووو غيره من مذهبات العقول وترسيخ العواطف..وهو نوع الخبر الذي قد يولد المناشدات الباكيات فى مقبل الأيام حتى تتنازل تلك الجهة الحكومية عن حقوقها أو تتبرع جهة حكومية أخرى بدفع تلك الحقوق ..هذا ما سيحدث ، فترقبوه ،خاصة أن الرجل قيادي بارز، أوكما قال الخبر .. وفي خضم المناشدة لن يسأل بعضهم بعضا : وماذا عن الحق العام الذي أقرته المحكمة ..؟..وماذا لو كان هذا الفاعل من غمار الناس ..؟..و .. هكذا تتلاطم الأسئلة .. ولن تجد إجابة شافية ، لا لأسئلة هذا النموذج ولا لأسئلة النموذجين السابقين.. لن تجد إجابة ؛ لأن الحقيقة التي تصلح وصفنا لحالنا هي : ( عاطفيون فقط لاغير) ، وليست ( عاطفيون فقط عند اللزوم) .. ولن نبارح هذا الحال ما لم نؤمن بأن الشأن العام لايدار بالقلوب كما نحب ، بل بالعقول كما يجب ..!!
إليكم – الصحافة الاثنين 02/11/2009 العدد 5875
tahersati@hotmail.com