انقسام بين المصريين حول تحديد مواعيد إغلاق المحال التجارية

احتدم الجدل في الشارع المصري حول جدوى خطط الحكومة الهادفة إلى تخفيض الأحمال الكهربية واستهلاك الكهرباء، خصوصاً في ظل الموجة الحارة التي صاحبها زيادة في استهلاك الطاقة في التكييف وأجهزة التهوية ووحدات الإنارة، سواء في المنازل أو الشوارع والميادين والشركات والمصانع والقطاعات الخدمية والإنتاجية.

وهذا الاستهلاك الذي يفوق قدرات شبكة توزيع الكهرباء، يترتب عليه انقطاعات متكررة للتيار عن مناطق بأكملها ولمدة جاوزت الساعتين أحياناً، وهو ما دعا الحكومة لاتخاذ قرارات بتخفيض الإنارة في الأماكن العامة بنسبة 50%، وكذلك دراسة غلق المحال التجارية في السابعة مساءً خصوصاً مع حلول شهر رمضان المبارك.

ويأتي هذا التوجه بعدما وجدت وزارة الكهرباء والطاقة أن نسب الإنارة في بعض شوارع مصر أعلى بنسبة تتراوح من ثلاثة إلى خمسة أمثال المعدلات العالمية المطبقة في المدن الأوروبية والأمريكية‏,‏ فضلاً عن أن الإنارة العامة في مصر تستهلك وحدها نحو‏6.5%‏ من إجمالي استهلاك الكهرباء‏.‏

وقال الدكتور محمد عوض، رئيس الشركة القابضة للكهرباء، إن معدلات إنارة الشوارع في مصر تفوق مثيلاتها العالمية بما يتراوح ما بين 400% و600%،‏ حيث تستهلك ‏1700‏ ميغاوات وتحتاج إلى مشروعين لتوليد الطاقة الكهربائية باستثمارات تقترب من ‏12‏ مليار جنيه‏,‏ لافتاً إلى أن قرار مجلس الوزراء الأخير يهدف إلى توفير ‏850‏ ميغاوات‏,‏ تسهم في استقرار التيار الكهربائي لنحو ‏26‏ مليون مشترك على مستوى الجمهورية‏,‏ بما يعادل ‏6‏ مليارات جنيه على الأقل سنويا‏ً.‏

التجربة الأوروبية

وكانت بعض الأحياء الفقيرة قد اشتكت من تكرار قطع التيار عنها ولمدد طويلة، في وقت رفض الدكتور حافظ السلماوي، المدير التنفيذي لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، قطع التيار عنها مقابل استمراره في مناطق راقية، مشيراً إلى أن حجم الاستثمارات المطلوبة لمواجهة الزيادات في استهلاك الكهرباء حتى عام ٢٠٢٢، تقدر بنحو ١٢٠ مليار دولار.

من جانب آخر، أكد الدكتور أيمن الغريب، خبير مواد وتنمية، أن جنون العاصمة التي تسهر حتى الصباح، حتى لو كان علامة مصرية مميزة، إلا أنه لا تستطيع المرافق من كهرباء وشبكة طرق وهواء وغيرها أن تتحمل هذا، فلم لا يتم العمل بنظام فتح وغلق المحال التجارية في توقيت محدد كما هو الحال في دول أوروبية، حيث تغلق فيها المولات والمتاجر أبوابها من السابعة مساءً وتحصل على يوم عطلة ونصف يوم عمل فقط أيام السبت؟

أما الدكتور أكثم أبو العلا، وكيل وزارة الكهرباء، فقال إن معدلات استهلاك الكهرباء خلال الموجة الحارة وصلت إلى‏2500‏ ميغاوات، وهو ما يعادل ضعف إنتاج الكهرباء من السد العالي، حيث تم تشغيل ما يقرب من ثلاثة‏ ملايين جهاز تكييف خلال هذه الموجة‏.‏

ويسأل المحامي أمجد وهبة: هل تستطيعون إنفاذ القرار نفسه على النوادي التي لا يرتادها أصحابها إلا بعد التاسعة؟ بالطبع هي أماكن “أولاد الذوات” فلن يرد ذكرها ضمن هذه القرارات!

في حين أكد الدكتور إبراهيم فريد، الخبير الاستراتيجي، أن في الاغلاق المبكر عبء على الأجهزة الأمنية، ففي حالة الفتح تحدث حالة من التأمين الذاتي، وينشط الجهد الأمني مثلاً بعد إغلاق المولات والبنوك ومحلات الصرافة ومتاجر بيع الأجهزة المنزلية ومحلات المجوهرات لتأمينها ضد العبث والسرقات، وهذا يعني مضاعفة الساعات التأمينية لها.

مراعاة خصوصية المجتمع المصري

وتخوف أشرف بلبع (تاجر) من حالة كساد وبطالة إذا أغلقت المحلات التجارية أبوابها فى الثامنة وهو الوقت الذي وصفه بـ”ذروة حركة البيع والشراء، حيث تمتنع الأسر أساساً عن الخروج طوال النهار بسبب حرارة الجو والزحام المروري”.

ويعتقد كثيرون أن قرارات الترشيد ستخلف أعباءً اقتصادية بدلاً من تحصيل الوفرة من فرق استهلاك الكهرباء، بل وستخلف بطالة، حيث لن يضطر أصحاب الأعمال إلى الاستعانة بأكثر من وردية واحدة في اليوم، صباحية ومسائية وأخرى حتى الفجر، كما في المطاعم والمقاهي وبعض الأنشطة الأخرى، وهو ما يعني تسريح عدد كبير من العمالة، حسب ما رأى أشرف بندق (قهوجي).

وأكدت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس وعضو مجلس الشورى، أنها ضد تعميم قرار الغلق على جميع الأنشطة، وضد تقليد التجربة الأوروبية دون مراعاة خصوصية المجتمع المصري، وضد مراعاة خصوصية طبيعة النشاط بكل محافظة ومدينة مصرية، فالنشاط التجاري في القاهرة غيره في الأسكندرية أو أسيوط.

وتساءل محيي غلاب (محاسب): “حين تغلق المقاهي مثلاً في الثامنة، أين تذهب هذه الآلوف المؤلفة من كبار السن والمعاشات والشباب وغيرهم من مرتادي هذه الأماكن، خصوصاً في ظل عدم وجود متنفسات؟”. وأضاف “إذا كنا نقلد الغرب فعلينا أن نوفر البدائل”.

من جانبه، أيد محمد عبد الغني هلال، خبير الموارد البشرية ومدير مركز تطوير الأداء والتنمية بالقاهرة، القرار ووجد فيه فرصة مواتية لإتاحة الوقت الكافي لتقديم خدمات كان يصعب تقديمها في النهار، مثل صيانة الشوارع وتنظيفها. وعلى كل إنسان أن يعيد صياغة وترتيب حياته وفق النظم والقوانين. وأذكر حين كنت طالباً في بعثة خارجية لإحدى البلاد الأوروبية أنني فوجئت بالمحلات تغلق أبوابها في السادسة مساءً، وقتها كنت مستاء جداً ولم أعتد على هذا الوضع، وسخرت ورددت في نفسي: “هنا الناس بيناموا من المغرب”، ومع ذلك تأقلمت وأقلمت نفسي مع هذا الوضع.

بينما يوضح محمد عمر، لاعب كرة سابق ومدرب حالياً، أن إطلاق ساعات العمل بلا حدود وبلا عائد أو عمل حقيقي هو السبب في شيخوخة المجتمع المصري وخروجه المبكر جداً على المعاش. فأنا أعرف موظفاً تنتهي فترة عمله عند ساعة محددة في النهار، ولا يترك مكان العمل، ولا يعمل بل يحضر أريكة وينام في مكان خلفي ليحظى بامتياز ما يوصف بساعات العمل الإضافية. وهذا الذي يعمل مدرساً وطوال الوقت سائق تاكسي وآخر الليل يبحث عن بقايا رجل ومسؤولية أبوة بلا استحقاقات أو التزامات، وساعات نوم تأتي أو لا تأتي، هل هذه مؤشرات على زيادة إنتاج أو رواج؟

العربية نت

Exit mobile version