لماذا يحب الإسلاميون كأس العالم ؟!
في مطلع شهر يونيو أدهش عدد من الإسلاميين المدججين بالسلاح والذين يمثلون جزءاً من مجموعة معجبة بأسامة بن لادن وتريد نقل نماذجه إلى الصومال مجموعةً من هواة كرة القدم تجمعت في مقديشيو لمشاهدة مباراة كأس العالم. وقامت المجموعة بقتل اثنين من هواة الكرة وأمروا البقية بالرجوع إلى منازلهم بحجة أن الرياضة ممارسة شريرة. ولكن إذا سمع زعيم القاعدة عن الهجوم من مخبئه في باكستان فإنه قطعاً سيستنكر ذلك، فأسامة بن لادن ــ الذي تحرِّم رؤيته الإسلامية العالمية الصارمة الموسيقى وتعليم النساء ولعب القمار وتعاطي الخمر والمثلية وحلق اللحى ــ هو نفسه يهوى هذه اللعبة وموقعه المفضل هو موقع هدَّاف الكرة. وهو واحد من كثير من الجهاديين الذين يقدسون هذه الرياضة العالمية الأكثر شعبية حيث يقول سكوت آتران عالم الأجناس الأمريكي والفرنسي الذي يقوم بدراسة التفاعل بين مجموعات الإرهاب وكرة القدم: (على العموم هي شغلهم المفضل بعد الجهاد). إن كثيراً من المجموعات الإسلامية الرائدة لديها علاقات بعالم كرة القدم، فزعيم حركة حماس ورئيس وزراء غزة إسماعيل هنية كان عضواً في فريق الشاطئ الرياضي بغزة، أما أعضاء حزب الله وحلفاء حماس في لبنان فهم متعصبون لأشياء خلاف الإسلام: فعندما كسب فريق العهد البيروتي الدوري اللبناني الممتاز عام 2008م كان ذلك برعاية تلفزيون المنار وهو جهاز التلفزيون الرسمي لحزب الله. إن الأمر لم يكن بالنسبة لكثير من المتشددين أمر ولعٍ بالكرة ولا لأن محمد أوصى المؤمنين بالحفاظ على الأجسام السليمة من خلال الرياضة فحسب لكن لأن كرة القدم لديها في الواقع تاريخ مثبت بكونها أداةً للجهاد، إنها طريقة مفيدة لإدخال المجندين الجدد في الحظيرة وتساعد على تشجيع خلق الصداقة الحميمة وسط أولئك الذين انضموا سلفاً إلى الحظيرة. إن القصة التي تقول إن بن لادن هو أحد مشجعي فريق الآرسنال البريطاني تبدو صحتها وجيهة جداً (وهذا شبه مؤكد رغم أن هذا لم يمنع مشجعي الفريق من تبنيه باعتباره واحداً منهم) بيد أن كرة القدم كانت من استراتيجياته الأولى لتنظيم الأتباع ونشر رسالته الدينية حيث يقول لورانس رايت أحد كتاب النيو يوركر والذي يعتبر كتابه «البرج الماثل» تقريراً حاسماً لأصول القاعدة: (عندما كان بن لادن طفلاً كان يقوم بتنظيم ألعاب كرة القدم ويأتي دائماً بوجبة الغداء حتى في الأيام التي يكون فيها صائماً، فيذهبون ليلعبوا في المناطق الفقيرة بجدة [بالمملكة السعودية]، وكان دائماً لديه وعيٌ اجتماعي بالأمر). لقد كان الصبي بن لادن مدركاً سلفاً للقيود الدينية حيث حافظ باسم الاعتدال على لبس عمامته في اللعب وارتدى سراويلاً طويلة وهو قرار شرع اللاعبون الآخرون في تقليده تدريجياً (الإصرار على تغطية الأرجل استبق القوانين المفروضة على لبس لاعبي كرة القدم بواسطة حلفائه في الطالبان). لقد استغل بن لادن المناسبات لغرس الدروس الدينية مانحاً بذلك أيضاً هدايا للمشتركين الذي استطاعوا أن يجاوبوا على الأسئلة البسيطة حول القرآن وتعاليم النبي محمد خلال فترات الراحة. لقد ظلت قوة كرة القدم باعتبارها طاقة تنظيمية باقية معه في ترحاله حيث يقول لورانس رايت عندما اتخذت القاعدة مقراً لها في السودان في التسعينيات كان للمجموعة الإرهابية اتحادها ذو الفريقين. ولم تكن الكرة التي يستخدمونها كرة تعلُّم بل كانت كرة قدم جادة ذات تمارين مُجَدْوَلَة بصورة منتظمة ومباريات أسبوعية بين الفرق عقب صلوات الجمعة. ويقول كتاب لورانس «البرج الماثل»: (إنه قبيل أحداث 11 سبتمبر كان أحد أفراد الصف بالقاعدة والذي لم يكن يعلم شيئاً عن الهجوم الوشيك يحلم بأن يقوم فريق من رفقائه الجهاديين ــ الذين كانوا جميعاً طيارين ــ بالاستعداد لمواجهة الأمريكيين في مباراة كرة قدم. لكن كان مهد كرة القدم الحقيقي للجهاديين هو أفغانستان وباكستان حيث سافر الإسلاميون المتحمسون لمقارعة الغزو الروسي لأفغانستان في الثمانينيات. وكان واحداً من النتائج الثانوية كأس عالم مصغر حقيقي بين المجاهدين مع المقاتلين الذين يشكلون فرقاً تمثل بلدانهم الأصل). ويقول آتران: (إن كرة القدم كانت طريقة مفيدة بل ضرورية بالنسبة لأولئك المقاتلين لكسر سأم التدريب وانتظار الالتحام مع العدو لأن المناوشات الفعلية كانت قليلة ومتباعدة. وبعد أن ذهب الروس ورجع الجهاديون إلى بلادهم وفرت مباريات كرة القدم منبراً للالتقاء والتواصل خاصة للمجاهدين الإندونيسيين الذين شكلوا قلب مجموعة الجماعة الإسلامية الإرهابية). ولكن في كثير من الأحيان تقود كرة القدم إلى التشدد وليس العكس، فقد قال أتران للجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ في مارس الماضي: (معلوماتنا توضح أن المؤشر لانضمام شخص ما للجهاد هو كونه عضواً في مجموعة أصدقاء تنزع نحو النشاط الجهادي). فمثلاً نجد معظم المشاركين في تفجيرات مدريد التي وقعت في مارس 2003م كانوا يلعبون كرة القدم معاً. وينظر آتران في كتابه القادم بعنوان «التحدث إلى العدو: العقيدة، الإخاء وإبطال صناعة الإرهابيين» إلى الحالة الغريبة لعشرة أشخاص من انتحاريي حماس من مدينة الخليل بالضفة الغربية خلال سنين عديدة حيث يكتب قائلاً: (يعكس الشباب طبقات مجتمع مدينة الخليل، فبعضهم كانوا عمالاً بسيطين وبعضهم من الطبقة المتوسطة وبعضهم متعلمين وفي وضع جيد). وما جمعهم معاً أنهم جميعاً كانوا يلعبون معاً في فريق كرة قدم نظمه مسجدٌ محلي. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن قادة حماس العسكريين عندما يحتاجون للمجندين للعمليات فإنهم يبحثون عن الفريق الذي هو في الأصل عبارة عن مجموعة ذات رابطة قوية وعلاقات دينية واضحة فيجعلوا منه فريق زراعة من أجل العمليات العنيفة. وبالطبع هذا لا يعني أن أي إسلامي يصطحب طاقة دينية تحويلية لكرة القدم، فوجهات النظر تتراوح كما في مسائل دينية كهنوتية كثيرة، فبالإضافة إلى قيود الطالبان الصارمة على اللعبة يقول نقاد آخرون ــ مثل ذاك الملا المتشدد ــ لقد أصبحت انصرافاً عن الشعائر الدينية بالنسبة للشباب المسلم. ويرى خط التفكير الثاني أن المنافسات العالمية مثل كأس العالم تضفي مصداقية على الحدود القومية والتي يقول عنها عموم المسلمين إنها حواجز مصطنعة صممت لتقسيم جمهور المسلمين الذي هو في الحقيقة شعب واحد. ولقد قالت الشرطة العراقية في مايو الماضي إنها أحبطت مخططاً للقاعدة يهدف إلى الهجوم على كأس العالم، وربما كان الهجوم للتأثير على اللعبة أكثر من كونه اعتراضاً عليها. ومن ناحية أخرى يقول كثير من العلماء إنه لا اعتراض على لعب مباريات كرة القدم الاحترافية أو مشاهدتها إذ يبرز موقع «إسلام أونلاين» على صفحة «إسأل عالم» تحليلات فقهية لصالح الرياضة. ويعتبر هذا تأييداً رفيع المستوى للرياضة ذلك أن موقع «إسلام أونلاين» أسسه يوسف القرضاوي الواعظ المتشدد والذي رغم أنه لم يكن عضواً في أية مجموعة إرهابية لكنه أصدر آراء حول التفجيرات الانتحارية وهو يحظى بالاحترام وسط الأصوليين المسلمين على نطاق العالم. فإذا أمَّلت الفصائل الموالية لكرة القدم في أن يعطي كأس العالم 2010م الجهاد دافعاً فلقد مثلت المباريات إحباطاً لهم إذ إن قطرين ذويْ أغلبيةٍ مسلمة هما نيجيريا والجزائر كانا مؤهليْن للكأس ولكن كليهما أقصيا.
ترجمة : سيف الدين عبدالحميد: النيوزويك
صحيفة الصحافة