لأنني مررت بنفس التجربة

[ALIGN=CENTER]لأنني مررت بنفس التجربة[/ALIGN] كنت على سفر بين ثلاث عواصم خليجية خلال الأسبوع المنصرم، ولا تخلو رحلة جوية الى أي مدينة خليجية من ركاب بسطاء يمتهنون العمل اليدوي كخادمات المنازل والسائقين وعمال البناء.. ويسهل التعرف على هؤلاء ليس فقط بسبب ملابسهم المهلهلة، ولكن أيضا لأنه وعند الوقوف أمام “الميزان” للتزود ببطاقات الركوب فإنهم يكونون في الغالب يحملون فقط كيسا صغيرا أو حقيبة يد لا تتسع لأكثر من قطعتين من الملابس.. وترتسم على وجوههم علامات التوتر والخوف بسبب تهيب الخوض في تجربة ركوب الطائرة.. وبسبب الخوف فإنهم يقدمون لموظف الميزان والمضيفات ومسؤولي الجوازات كمشة من الأوراق من بينها عقود العمل ونتائج الفحوصات الطبية وعقود الزواج ومستندات الطلاق وشهادة “إكمال” الصف الثاني الابتدائي.. كنت عائدا يوم الجمعة الماضي من دبي الى الدوحة ووجدت شابا صغير السن رث الهيئة يجلس في مقعد في الدرجة الأولى، وبقلب جامد طلبت منه بطاقة الركوب الخاصة به وبلغة الإشارة جعلته يدرك أن عليه ان ينتقل الى مقاعد الدرجة السياحية، وقام صاحبنا وجلس في أول مقعد خال في تلك الدرجة واضطررت الى اصطحابه الى مقعده.. وخلال كل ذلك كانت مجموعة من الخادمات الإثيوبيات قد احتللن عدة مقاعد متلاصقة وأدركت أنهن اخترنها عشوائيا، ونبهت المضيفة الى ذلك فقامت بإجلاس كل واحدة منهن في المقعد المخصص لها.. وعندما هبطنا مطار الدوحة لاحظت ان الخادمات يهرولن للحاق بي فوقفت وطلبت من كل واحدة منهن ان تبرز فقط جواز السفر ونسخة من تأشيرة الدخول، ثم سألت أحد مسؤولي الجوازات عن الطابور المخصص للخادمات وعمال المنازل، فتكرم مشكورا بتوجيههن نحو شباك معين، ولما رآني أتوجه الى طابور آخر قال لي: أحسن خليك معهن.. فهمت من كلامه أنه اعتقد أنني مندوب مكتب استقدام عمالة.. فشرحت له أنه لا علاقة لي بهن سوى الرغبة في مساعدتهن لإزالة الرهبة التي تعتريهن إزاء تجربة التعامل مع المطارات في بلاد لا يعرفن عنها شيئا.
أفعل ذلك كثيرا أثناء السفر بالطائرة.. أعني أنني أحاول مساعدة البسطاء الذين يبدو عليهم أنهم لم يجربوا السفر من قبل.. المسألة لا تتعلق بـ”الشهامة”.. بل برد الجميل لآخرين ساعدوني عندما استخدمت الطائرة لأول مرة وأنا لا أعرف الى اين اتجه او أن هناك بوابات مخصصة لكل رحلة.. هذه تجربة يمر بها كل من يسافر جوا بدون صحبة لأول مرة.. ولن أنسى أبدا كيف أنني عندما دخلت مطعما راقيا لأول مرة جلست أقرأ “يس” والمعوذتين وأراقب الآخرين.. ومع هذا لم أنج من الفضائح فالسكين تنزلق من يدي والشوكة إما تحمل لي كمية لا يتسع لها فمي، أو فتفوتة تنحشر بين فتحات أسناني، وإلى يومنا هذا فإن هناك مطاعم أقرأ قائمة الطعام (المنيو) فيها ولا أفهم شيئا فاستعين بـ”صديق” أو جرسون: شنو يعني شاتو آلا كارتوشوتو؟ وتطلع الحكاية دجاج مشوي أو سمك نصف استواء.. والشاهد هو أننا ننسى كيف مررنا بمواقف صعبة ومحرجة ولكن وبتكرار التجربة صارت تلك المواقف والأشياء عادية و”بديهية”، ومن ثم تجد من يبتسم في سخرية واستعلاء عندما يجد مثلا سيدة عربية عجوزا في متجر أوربي وهي “مزنوقة” بسبب عدم قدرتها على شرح ما تريده للبائع أو البائعة (عندما ذهبنا الى لندن لأول مرة هجمنا على بنطلونات معروضة بأسعار زهيدة ووضعنا الأكوام امام صاحب المحل فطلب منا “الإيصالات”.. باختصار كان محل غسيل بالبخار وكانت الأسعار هي قيمة الغسيل والكي وتعرضنا لسيل من الشتائم البذيئة لأننا لخبطنا وخربطنا “الرصة” أي ترتيب الملابس في المحل).

زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com

Exit mobile version