لقد ترددت كثيراً قبل أن أكتب هذا المقال. أولاً: لأنني لا أريد أن أجلب للسودان الحبيب أزمة أخرى لتضاف الى أزماته العديدة، التي لم تنتهِ ولو واحدة منها حتي الآن.
وثانياً: خفتُ أن أُوقد شرارة، يستفيد منها المتربصون بهذا الوطن، لذلك تمسكت بالفطنة؛ لأننا نعرف بأن المؤمن فطن، وقد جاء الوقت لنستفيد من تلك الفطنة، وثالثاً: لأن الأخ العقيد معمر القذافي ربما أراد أن يحل مشكلة السودان مع حركة العدل والمساواة بطريقته الخاصة، التي لا يمكن معرفتها إلا في اللحظات الأخيرة، وأنا شخصياً لا أنسى تلك القمة العربية التي عقدت بدولة قطر، فبينما كان خادم الحرمين الشريفين- يلقي كلمته، قاطعه الأخ: العقيد معمر القذافي دون سابق إنذار، وهنا خاف جميع الذين كانوا داخل القاعة، بأن هناك كارثة ستقع في هذه القمة، أو ربما يحدث إصطدام كلامي بين الزعيمين الكبيرين، لذلك تدخل الشيخ حمد بن خليفة أمير دولة قطر بسرعة، راجياً من الأخ القذافي بأن يصمت، ويترك المجال لخادم الحرمين الشريفين، ليواصل حديثه قائلاً له: يا أخ معمر، يا أخ معمر، يا أخ معمر، وباستمرار، ولكن الأخ معمر لم يصمت، وواصل مقاطعته الى أن ختمها بالمصالحة الكبرى بينه وبين خادم الحرمين الشريفين، وقد حدث كل ذلك بطريقة لا يصدقها عقل، حيث دعاه فجأة لفتح صفحة جديدة بينهما، فكانت تلك من أكبر المفاجآت والمصالحات التي حدثت في القمم العربية، ثم ترك الجلسة بعد ذلك وذهب ليزور المتحف الإسلامي بالدوحة.
لتعلم حكومة ليبيا، وليعلم الشعب الليبي الشقيق، بأننا لسنا جاهزين الآن لفتح ملف وجود(المواطن السوداني) خليل إبراهيم، المطلوب بواسطة الإنتربول للسودان، والذي تؤويه ليبيا الآن..إنك يا أخي العقيد معمر القذافي بفعلتك هذه -(وأرجو أن أكون مخطئاً)- تكون قد اقترفت أكبر خطأً في حياتك ضد دولة تحب الشعب الليبي، وتقدره ويقدرها، هل تعلم يا أخي العقيد معمر بأن المواطن السوداني خليل إبراهيم عندما وصل الى تشاد ومعه الوفد الخاص به لم يستغرق الأمر أكثر من(24 ساعة)، ليتم تجريده من جميع الإمتيازات التي منحت له، وطرده من البلاد، كما لم يستغرق الأمر كذلك مع الشقيقة مصر- عندما سافر إليها الوفد الخاص- لمناقشة مسألة المواطن السوداني خليل ابراهيم، إلا بضع ساعات، حيث تم طرده، ومنعه من الإقامة بمصر.
لقد قال السيد: معاوية عثمان خالد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية، إن الإتصالات مازالت جارية مع ليبيا، ونأمل أن تنتهي بانضمام خليل الى مفاوضات الدوحة، وأن الخارجية تأمل في أن يكون وجود رئيس حركة العدل والمساواة، خليل ابراهيم في ليبيا عابراً وليس وجود مقر.. هكذا يا أخي العقيد معمر القذافي خاطب الشعب السوداني الحكومة الليبية، واختار لها الكلمات المناسبة التي تليق بالموقف، وإن شئت فارجع الى الكلمات(نأمل، و تأمل، وعابراً، و مقر) التي وضعتها وزارة الخارجية عند مخاطبة حكومتكم، فهي كلمات تم اختيارها بدقة، لتمثل قمة الأدب، وقمة الاحترام، وقمة الدبلوماسية، بل وتعكس صدق نوايا الشعب السوداني العظيم، تجاه الشعب الليبي الشقيق.
أخي العقيد معمر، هكذا تتعامل الشعوب الشقيقة مع بعضها البعض، وهكذا تعالج الشعوب الراقية مشاكلها مع بعضها البعض، وإذا كان المواطن السوداني خليل إبراهيم يهمكم أكثر من(39 مليون سوداني)، فخذوه فهو حلال عليكم، واعملوا معه ما شئتم، واتفقوا معه كيفما أردتم، ودربوه، وسلحوه، ثم أرسلوه الى الشعب السوداني ليعيث فساداً في أرضه، ولكن يجب أن تعلموا( أن المؤمن لا يلدغ من جبل عوينات مرتين)، فنحن له جاهزون، ولتعلموا أيضاً أن الشعب السوداني قد تأذى منكم كثيراً، ولكنه لن ولن يعادي الشعب الليبي الشقيق.. ألا تتذكر أخي: العقيد معمر القذافي عندما أرسلت لنا قوات المرتزقة من
(جبل عوينات) لغزو الخرطوم، في أغرب عملية تمت في التاريخ الحديث، حيث لم ينجُ من هؤلاء المرتزقة أحد، وقد استشهد الكثير من السودانيين الأبرياء، ومن العسكريين أيضاً، وكان يمكن أن أكون واحداً منهم لولا لطف الله وقدرته، ثم تم قفل المحضر بعد ذلك، وعادت العلاقات(سمن على عسل) بين الدولتين. ثم جاءت أزمة المناكفات الاذاعية، وتحركت الطائرات الليبية، لتضرب الإذاعة السودانية بأم درمان، وقد تمت ترقية الضابطين اللذين قاما بتنفيذ تلك العملية، الى الرتبة الأعلى، وكأنهما ضربا تل أبيب! ثم تم قفل المحضر بعد ذلك، وكأن شيئاً لم يكن، وعادت العلاقات(سمن على عسل) بين الدولتين.. أخي العقيد لقد تأذينا منك كثيراً، ألم تعلن بسرعة البرق بأنك ستوافق على انفصال الجنوب وستؤيد حكومته، وأنت الذي يدعونك(بحامي)الوحدة الافريقية، بل وملك ملوك افريقيا.
أخي: العقيد معمر القذافي أرجو أن تترك السودان في حاله الآن، فهو غير مستعد للدخول في أية مشكلة، مع أية دولة مهما كانت، فإقامة الاستفتاء بجنوب السودان، وما يتبعه من انفصال أو عدم انفصال. وهناك قضية دارفور التي شارفت على الحل لولا تدخلكم المفاجيء وغير المبرر. إن علاقة السودان بليبيا، علاقة قوية، ومتينة، وواضحة لا لبس فيها، ولا غموض، فقل لنا أرجوك ماذا تريد منا بالضبط ؟ ما الذي يمكن أن يعطيه المواطن خليل إبراهيم للشعب الليبي، ويعجز الشعب السوداني عنه؟ قل لنا أرجوك ماذا تريد من دارفور؟ كن صريحاً، وقوياً، وأميناً، هل تريد أن تضم دارفور الى ليبيا؟ إن كان كذلك، فالمواطن خليل إبراهيم ليس الجهة المنوطة بذلك، فقد انتهت صلاحيته وسترى ذلك بنفسك قريباً إن شاء الله.
رأي: صلاح ابراهيم
صحيفة آخر لحظة – 17/7/2010