مثلما يختار النجم في الدراما السينمائية والتلفزيونية الأبطال المشاركين له انتقل هذا القانون أيضا للحفلات الغنائية الصيفية التي صارت على الأبواب، وهكذا أصبح عدد كبير من المطربين الجدد يضجون بالشكوى؛ لأنه يتم استبعادهم في اللحظات الأخيرة من حفلات تحييها مطربات لهن شباك تذاكر واضح؛ مثل “نانسي” و”إليسا” و”هيفاء”.
بدأنا نستمع إلى تلك النغمة التي يقدمها في صيغة شكوى عدد من المطربين الجدد إلى نقابة الموسيقيين، كيف لمطرب عربي يأتي إلى بلدنا ويشترط ألا نغني، وأمام نقيب الموسيقيين المصرين “منير الوسيمي” بعض من هذه الشكاوى.
الواقع أنني لا أتصور أن النقابة سوف تلعب أي دور في هذا الشأن، فهي لا تملك أن تفرض مطربا مصريا جديدا أو حتى مصريا مخضرما على حفل غنائي من القطاع الخاص.. الدولة تتحكم مثلاً -من خلال وزارة الثقافة- في حفلات الأوبرا، ومن خلال وزارة الإعلام تشرف أيضا الدولة على الحفلات الرسمية التي تقيمها في المناسبات الوطنية، ولكنها لا يمكن أن تجبر أي متعهد حفلات على الاستعانة بمطرب هي تتوسم فيه خيرا، بينما لا يوجد له شباك تذاكر مضمون.
لقد أثبتت التجارب السابقة أن الدولة لم تستطع أن تفرض مطربة من نوعيات “آمال ماهر” و”غادة رجب” و”ريهام عبد الحكيم” على المستمع، على رغم الحماس الرسمي الذي حظيت به كل منهن، بل إن جوائز المهرجانات الغنائية كثيرا ما تتوجه إليهن؛ مثلما حدث في مهرجان الأغنية العربية الأخير وحصلت “ريهام عبد الحكيم” -قبل أسبوعين- على جائزة الميكروفون الذهبي عن أغنية “خنتني وسامحتك”، إلا أن هذا لم يؤد مثلاً إلى زيادة مساحة الاهتمام الجماهيري المصري ولا أقول العربي بريهام.
الحقيقة أن اختيار المطرب النجم لمن يشاركونه الغناء في الحفل ليس نتاج اليوم، لكنه إحد القواعد المتعارف عليها في دنيا الغناء؛ مثلاً في عز الصراع بين “عبد الحليم حافظ” و”فريد الأطرش” على حفلات الربيع منذ نهاية الستينيات كان كل منهما لديه فريق يغني فقط معه، وهكذا -مثلاً- فإن كل المطربين الذين غنوا مع “فريد الأطرش” في حفل الربيع قدموا ألحاناً له؛ مثل محمد رشدي غنى “عشرية” تلحين “فريد”، و”فهد بلان” غنى أيضاً من ألحانه “مقدرشي على كده ومقام السيدة”.
بينما “عبد الحليم حافظ” كان يضع شرطا، وهو أن من يغني معه يقدم فقط أغنيات من ألحان “بليغ حمدي”، ولهذا مثلاً فإن أول أغنية اشتهرت لعفاف راضي وهي “ردوا السلام” في البداية وضع ألحانها “بليغ حمدي” لكي يغنيها “محمد رشدي”، ولكن عندما فضل “رشدي” الغناء في حفل “فريد” تم إسنادها إلى “عفاف راضي”.
الواقع أيضاً أن تحكم الكبار يعود إلى واقعة أسبق زمنيا، وهي أنه عندما غنى “عبد الحليم” و”أم كلثوم” في حفل عيد ثورة 23 يوليو عام 1964م بحضور “جمال عبد الناصر”، وهاجم “عبد الحليم حافظ” سيدة الغناء العربي “أم كلثوم” على الهواء، وقال -عندما استمرت في الغناء على المسرح لفترة زمنية أطول مما هو متفق عليه-: “لست أدري هل هذا تكريم لي أن أغني بعد أم كلثوم أم أنه “مقلب”.
ومن بعدها قررت “أم كلثوم” ألا يشاركها “عبد الحليم” في الغناء في أي حفل، وبالفعل تدخل “عبد الناصر” والمشير “عبد الحكيم عامر” وأصبح “عبد الحليم” يقيم حفلا للثورة بمفرده يوم 26 يوليو، بعد رفض “أم كلثوم” كل مبادرات الصلح مع “حليم”؟!.
يجب أن نعترف بأننا نعيش زمنا آخر، وهو أن الفضاء الإعلامي صار مفتوحا، والناس تختار الأفضل وتقطع من أجله تذكرة دخول الحفل، والأمر لا يمكن أن يستقيم بهذا السلاح الذي يشهره البعض في وجه “هيفاء” و”نانسي” و”إليسا”، وهو الجنسية.. ليس مطلوبا من المطرب العربي في القاهرة أن يتقبل من يفرض عليه مطربا مصريا ناشئا ليغني تحت المظلة الجماهيرية التي يوفرها له، بحجة أن هذه هي بلده وهو أولى من الغريب.
ولكن من حق هذا المطرب الشاب أن يثبت نفسه وينجح في الشارع، ويصدر شريطاً أو C.D يقبل عليه الجمهور، ومن بعدها سوف يسعى الجميع إليه لكي يغني معهم على المسرح.. سلاح الجنسية ينبغي أن يسقط تماما؛ لأنه صار مثل الطلقات “الفشنك”!!.
طارق الشناوي(*) mbc.net