ولتدليل على عمق الإحترام المتبادل بين الأسرتين تلجأ النساء للإستعارة فتقول في وصف حالة الإنسجام بينهم بـ ( الموية ما إندفقت بيناتنا) كناية عن عدم حصول أي مشاكل أو عدم إحترام بين الأسرتين، كذلك من الملاحظ أنه عند مصاهرة الأقرباء كأبناء العُمومة أو الخُؤلة يقدم النسب على علاقة الدم ويتحكم برتوكول علاقة النسب، فعند زواج أبناء الخالات مثلا تتحول العلاقة بين الأختين آليا إلى علاقة بين نسيبتين.
قد يكون لإيقاع الحياة المعاصرة اليد الطولى على زعزعة بعضا من تلك المفاهيم، ولكن على مر الأزمان ظلت العلاقة بين الزوج ووالد زوجته راسخة الأقدام في الاحترام المتبادل ولا تتغير بتغير الظروف، ولقد استعملت أمهاتنا أدب الحكي والحجى لترسيخ تلك المعاني السامية في عقولنا أيام طفولتنا، ومن ضمنها هذه القصة العميقة المعبرة.
* جمعت علاقة الحب الطاهر بين (محمد) وبنت (خاله فاطمة بت عبد القادر)، فقد شبت وترعرعت أمام ناظريه وتحولت من طفلة ودودة ووادعة الى صبية جميلة (تملى العين)، ولذلك كان يتحين الفرص كلما عاد من عمله مع الجلابة في الصعيد الجواني ، كي يلتقيها ويملي بصره منها، عندما يمد لها يده محييا قبل أن تسرع بتغطية وجهها منه بطرف ثوبها ثم تولي الأدبار خجلا منه.
اجتهد في جمع المال واكمال مستلزمات الزواج بعد أن صارح والده برغبته في الزواج من (فاطمة)، فوجد القبول والرضا من خاله (عبد القادر)، وبعد إنتهاء مراسم الزواج وليالي الأفراح التي إستمرت أربعين ليلة، قضاها (محمد) وهو محمول على كفوف الراحة في بيت خاله مع عروسته، إستأذن نسيبه في أن يسافر مع زوجته لمكان عمله ففاجأه الخال الحصيف قائلا:
معليش يا محمد يا ولدي .. فاطنة لسة صغيرة وإنت شغلك كلو في الخلا .. دحين يا ولدي أنا ما بخليك ترحّلا إن ما جنّت!!!!
تحير (محمد) من قول خاله فكيف ينتظر حتى يصيب الجنون عروسته الحبيبة كي يستطيع أن يأخذها معه ، ولكن لأن (النسب عين شمس) لم يجرؤ إلا على قول:
الراي رايك .. وزي ما تشوف يا خال.
سافر لمقر عمله وصار يعاود القدوم في مطلع كل شهر للزيارة، حيث يقضي مع عروسته بضعة أيام، يغادر بعدها وفي عينيه تساؤل لخاله كلما أراد وداعه قبل السفر وكأنه يسأل:
لسة ما جنت يا خال ؟!!!
مرت الأيام وأكملت نصاب العشرة أشهرعندما وضعت فاطمة مولودها البكر، لم تسع الأرض بما رحبت فرحة (محمد) بصغيره، فأولم الولائم وأقام الأفراح أربعينا أخرى، ثم سافر وفي عينيه نفس التساؤل وفي عيني خاله وعد بالفرج القريب ..
بعد مرور شهر آخر عاد (محمد) لرؤية صغيره وأمه، وفي صباح اليوم التالي ناداه خاله خلسه .. ساقه من (ديوان الرجال) لبيت الحريم في هدوء، ثم طلب منه أن يراقب (فاطمة) التي إنشغلت بغسل فوط وملابس رضيعها المتسخة، بينما وضعته على (عنقريب) في ضل الضحى .. كان الصغير يبكي فبدأت تناجيه:
هوي ..هوي .. هوي يا الحبيب .. وحات أبوي خلاس قضيت هسع بجيك ..
ثم غنت له:
جيت لي .. حمدتا الله الحي .. أداني وليد يترسل لي.
قال الخال لـ (محمد) في إشارة لحديث (فاطمة) مع الرضيع الذي لا يفهم ما تقوله له:
شفتها بتتكلم براها مع الجنا ؟ أها بعد ده أنا أذنتا ليك .. رحّل مرتك .. خلاص جنّت !
وللحكاية مضامين عميقة فهي ترسخ للطاعة العمياء والإنصياع للكبير واحترام رغبات النسيب، كما يختبر فيها الخال صبر إبن أخيه وفي نفس الوقت يطمئن على إبنته عندما ترحّل (للخلا) فتجد الونس والرفقة من صغيرها الرضيع.
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com